من القاهرة تبدأ الحكاية.. زيارة الرئيس مسرور بارزاني… سياسة هادئة وحفاوة بحجم التاريخ

من القاهرة تبدأ الحكاية.. زيارة الرئيس مسرور بارزاني… سياسة هادئة وحفاوة بحجم التاريخ
من القاهرة تبدأ الحكاية.. زيارة الرئيس مسرور بارزاني… سياسة هادئة وحفاوة بحجم التاريخ

اللي يعرفني عن قُرب، وبالذات أهل القلم، يعرف إن لغتي العربية الأقرب لقلبي في الكلام هي اللهجة المصرية. يمكن في الكتابة دايمًا كنت أميل للفصحى، وكنت أسمع كتير: ليه ما تكتبش بالمصري؟وكنت دايمًا أرد إن لكل مقام مقال، وإنه لما تيجي اللحظة المناسبة هكتب، من غير تردد. والنهارده أقدر أقول إن اللحظة دي جات.

الفكرة جاتني وأنا بتابع زيارة دولة رئيس حكومة إقليم كوردستان، السيد مسرور بارزاني، إلى مصر. زيارة يمكن يقول البعض إنها اتأخرت شوية، وأنا متفق مع الرأي ده، لكن خلينا نكون واقعيين: إن الزيارة تيجي متأخرة أحسن بكتير من إنها ما تجيش أصلًا. والنهارده هي جات، وجات ومعاها أمل، وطموح، ورسائل واضحة جدًا.

الزيارة مش بروتوكول وخلاص، ولا مجاملة سياسية عابرة. الزيارة كانت مدروسة، والوفد المرافق واضح إنه وفد شغل حقيقي: رجال أمن، ومخابرات، وتخطيط، وتدبير، ناس فاهمة إن معركة الاستقرار في المنطقة لسه مستمرة، وإن الإرهاب ما بيتواجهش بالشعارات، لكن بالتنسيق، وتبادل الخبرات، وبناء الثقة.

وأول سؤال طبيعي يطرح نفسه: ليه مصر؟
الإجابة بسيطة وعميقة في نفس الوقت. لأن مصر مش دولة عادية، مصر بوابة. البوابة اللي منها بتتفتح علاقات طبيعية وصحية بين الكورد والعرب عمومًا، وبين كوردستان ومصر خصوصًا. مصر كانت دايمًا حاضرة في وجدان المنطقة، قديمًا وحديثًا، ومكانتها مش محتاجة تعريف.

ملامح اللقاء كانت واضحة من البداية:
أمن واستقرار، تعاون اقتصادي، جذب شركات مصرية عندها خبرة حقيقية وإحنا محتاجينها، تبادل تجاري، وتنسيق أمني في المقام الأول. لأن مفيش اقتصاد من غير أمن، ومفيش استثمار من غير استقرار. ودي لغة مشتركة بين القاهرة وأربيل.

العلاقة دي مش جديدة، ومش وليدة اللحظة. مصر بدأت صح من زمان، وعمرها ما كانت بعيدة عن قضايا المنطقة. وكوردستان من ناحيتها دايمًا شايفة مصر كحليف طبيعي، مش طارئ. وده مش أول تحرك في الاتجاه ده؛ رئيس الحكومة بدأ قبل كده من الخليج، ومن الجزء العربي من العراق، واللي بينا وبينه حدود ودستور فيدرالي بيسمح بفتح أبواب علاقات واسعة، وبشكل قانوني وواضح.

الزيارة دي كمان رسالة ثقة. ثقة في حكومة إقليم كوردستان، وفي نهجها، وفي قدرتها على إدارة مؤسساتها بشكل سليم. وده مش شيء جديد على دولة رئيس الوزراء، لأن قبل كده التاريخ سجل زيارات ومواقف، من أيام القائد الراحل الملا مصطفى بارزاني في الخمسينات، مرورًا بدور الرئيس مسعود بارزاني، اللي دايمًا كان حريص إن العلاقة مع مصر تكون علاقة نظيفة، واضحة، ومن غير أي شوائب.

الاستقبال المصري كان على مستوى الحدث. حفاوة حقيقية، واحترام متبادل، وحوار هادي، عقلاني، وواقعي. فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي استقبل السيد مسرور بارزاني بما يليق بقيمة الزيارة وبأهميتها، وده بيعكس رؤية مصر الثابتة في دعم الاستقرار، واحترام خصوصية الشركاء، وبناء علاقات طويلة المدى.

إحنا بنقدّر الشعب المصري وحكومته، ونعرف كويس إن التقدير ده متبادل. مصر عارفة قيمة الشعب الكوردي، ووزن قياداته، ودوره في حماية الاستقرار في منطقة مش سهلة. وده بيدينا دافع أكبر إننا نشتغل أكتر على توطيد العلاقة دي، مش بس بالسياسة، لكن كمان بالقلم، وبالثقافة، وباللغة.

وعشان كده المقال ده مكتوب بالمصري، كهدية بسيطة، وتعبير عن احترام وتقدير، للاستقبال الكريم، ولمكانة مصر العربية، الدولة صاحبة القرار والتأثير في المنطقة. مصر اللي خرجت منها بوادر ثقافتنا الحديثة، واللي اتعلمنا منها الأدب، والفن، والفكر، وكانت دايمًا مصدر إلهام.

المقال ده إهداء للشعب المصري كله، وأمنية صادقة إن الزيارة دي تكون خطوة في طريق ثقة أكبر، وشراكة أوسع، وتبادل مصالح أعمق، وفهم مشترك يخدم الشعوب و  الحكومات. لأن في الآخر، اللي بيبقى ؛ العلاقات اللي بتتبني على احترام، وصدق، ورؤية مشتركة للمستقبل.

ومن القاهرة… نقدر نقول إن الحكاية لسه بتبدأ.