سامح الصريطي: إعادة التعاون الفني بين مصر وكوردستان ضرورة ثقافية والدراما جسر اللغة والهوية

سامح الصريطي: إعادة التعاون الفني بين مصر وكوردستان ضرورة ثقافية والدراما جسر اللغة والهوية
سامح الصريطي: إعادة التعاون الفني بين مصر وكوردستان ضرورة ثقافية والدراما جسر اللغة والهوية

محاولات التعاون الفني بين مصر وكوردستان كثيرة لكنها لم تفعل بالشكل الصحيح حتى اليوم ،وهنا كانت تلك السطور مع الفنان سامح الصريطى احد الداعمين لفكرة التعاون وله تجارب سابقة .

أكد لي أنه لا زال يفكر فى ترسيخ تلك العلاقة فى شكل أعمال فنية هدفها الأول والأسمى هو الحفاظ على اللغة العربية كلغة مشتركة بين الدول ذات الثقافة والهوية الواحدة ، من خلال مسلسلات ناطقة بلغة  فصحى وعامية بها رسالة داعمة لتقريب الشعبين المصري والكردى معا فى بوتقة واحدة.

يرى الفنان سامح الصريطي أن إعادة تفعيل التعاون الفني بين مصر وكوردستان لم تعد رفاهية ثقافية، بل ضرورة ملحّة تفرضها التحولات التي يشهدها العالم العربي، وتراجع دور القوة الناعمة، وابتعاد الأجيال الجديدة عن اللغة العربية باعتبارها الرابط الأهم بين الشعوب. ويؤكد الصريطي أن الدراما والسينما كانتا ولا تزالان الوسيلة الأقدر على مدّ جسور التواصل الإنساني والثقافي، وصياغة وعي مشترك يتجاوز الحدود السياسية والجغرافية.

يشير الصريطي إلى أن محاولات التعاون بين الجانبين ليست جديدة، بل تعود إلى سنوات سابقة، خاصة خلال فترة عمله وكيلًا أول لاتحاد النقابات الفنية ووكيلًا أول لنقابة المهن التمثيلية، حيث قام بزيارات متعددة إلى إقليم كوردستان، شملت معظم مدنه، وبنى خلالها علاقات واسعة مع فنانين ومثقفين ومسؤولين في مجالات مختلفة. ويؤكد أن هذه الزيارات لم تكن بروتوكولية، بل حملت مشروعًا حقيقيًا يهدف إلى نشر الدراما المصرية في الإقليم، وتفعيل بروتوكولات تعاون وقّعت بالفعل بين نقابتي فناني مصر وكردستان.

الملا مصطفى البارزاني كان يعلم قيمة مصر 

ويستعيد الصريطي تفاصيل زيارته إلى الإقليم عام 2013، موضحًا أن الهدف الرئيسي آنذاك كان فتح آفاق لتوزيع المسلسلات المصرية على القنوات التلفزيونية الكوردية، إلى جانب تبادل الخبرات الفنية والإعلامية. ويقول إن لقاءاته مع مسؤولي الإعلام، وعلى رأسهم رئيس قناة كوردستان في ذلك الوقت كاروان أكري، تناولت سبل عرض الأعمال المصرية، وكيف يمكن للدراما أن تكون أداة تواصل فعّالة بين الشعبين.

لكن، وعلى الرغم من هذه المحاولات، لم يستمر التعاون بالصورة المرجوة. ويُرجع الصريطي ذلك إلى مجموعة من المعوقات المشتركة بين الطرفين، في مقدمتها الجوانب الإنتاجية والاقتصادية، وارتفاع أسعار بيع المسلسلات، واشتراط بعض الجهات المنتجة مقابلاً ماديًا كبيرًا حال دون انتشار الأعمال المصرية في الإقليم. ويضيف: «لو كنت مسؤولًا عن قطاع الإنتاج التلفزيوني، لأهديت من كل مسلسل نسخة مجانية، ليس من باب المجاملة، ولكن حفاظًا على اللغة العربية، وعلى دور مصر الثقافي في محيطها العربي».

ويؤكد الصريطي أن المسألة بالنسبة له لا تتعلق فقط بتسويق أعمال فنية، بل بمشروع ثقافي متكامل يستند إلى تاريخ طويل من العلاقات بين مصر وكوردستان. ويشير إلى أن هذا التاريخ ليس خافيًا على أحد، بدءًا من الحقبة الأيوبية، حيث يبرز اسم صلاح الدين الأيوبي بوصفه رمزًا جامعًا، مرورًا بشخصيات فنية وثقافية كوردية تركت بصمتها في مصر، مثل المخرج الكبير أحمد بدرخان ونجله علي بدرخان، وصولًا إلى حضور شخصيات مؤثرة في الأدب والفكر، كان لها دور فاعل في المشهد الثقافي المصري والعربي.

ويتوقف الصريطي عند محطة سياسية وثقافية بالغة الدلالة، حين يذكّر بأن أول بلد فكّر الزعيم الكوردي الملا مصطفى البارزاني في زيارته بعد عودته من الاتحاد السوفيتي كانت مصر، وأن أول زعيم التقى به كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ويرى أن هذا الحدث وحده كفيل بتأكيد عمق العلاقة بين الجانبين، ويعكس رؤية مصر في تلك المرحلة لدورها العربي والإقليمي، ليس فقط سياسيًا، بل ثقافيًا وإعلاميًا أيضًا.
اذاعة وصحيفة كوردية 

وفي هذا السياق، يستشهد الصريطي بطريقة تفكير الدولة المصرية في عهد عبد الناصر، حين جرى تأسيس إذاعة كوردية، وإصدار جريدة «كوردستان» في عام   1898التي استمرت لسنوات طويلة، في خطوة هدفت إلى ربط الشعبين المصري والكوردي، وتعزيز الحوار الثقافي بينهما. ويقول إن تلك السياسات لم تكن عشوائية، بل نابعة من إيمان حقيقي بأن الثقافة هي الضامن لاستمرار العلاقات بين الشعوب، وأن اللغة هي وعاء الهوية وذاكرة الأمم.

ومن هنا، يعبّر الصريطي عن قلقه إزاء ما يراه تراجعًا في الاهتمام باللغة العربية، ليس فقط في كوردستان، بل في مصر نفسها. ويؤكد أن الخطر لا يهدد اللغة وحدها، بل العلاقات بين الأجيال، حيث بات الشباب أقل ارتباطًا بالموروث الثقافي المشترك. ويرى أن الدراما قادرة على لعب دور محوري في مواجهة هذا التحدي، من خلال تقديم أعمال قريبة من وجدان الناس، تعكس قضاياهم، وتُبقي اللغة العربية حية ومتداولة.

وحول مسألة عرض الأعمال الكوردية في مصر، يوضح الصريطي أن هذا الأمر ليس مستحيلًا، بل يمكن تحقيقه بسهولة عبر الترجمة، كما يحدث مع الأعمال المغربية والجزائرية والتونسية. ويؤكد أن التنوع اللغوي واللهجات المختلفة يجب أن يُنظر إليه بوصفه ثراءً ثقافيًا، لا عائقًا، داعيًا إلى تبادل عربي حقيقي في مجال الدراما، وإلى عودة الحكايات الشعبية والتاريخية التي كانت تجمع الأسرة العربية حول شاشة واحدة.

ويتطرق الصريطي إلى غياب نسبي للأعمال الكوردية عن المهرجانات السينمائية المصرية، مشيرًا إلى أن بعض الأفلام عُرضت بالفعل في مهرجاني القاهرة والإسكندرية، كما شهد مهرجان الجونة في دورات سابقة عرض أفلام كردية. لكنه يرى أن هذه المشاركات لا تزال محدودة، ولا ترقى إلى مستوى الطموح، مطالبًا بتكثيف الحضور المتبادل، وتنظيم سيمنارات ولقاءات فكرية وفنية يحضرها الشباب من الجانبين.

مهرجان يجمع الكورد والمصريين 

ويكشف الصريطي أنه سبق أن طرح فكرة تنظيم مهرجان دولي وملتقى إعلامي في إقليم كوردستان، وقد لاقت الفكرة دعمًا من مسؤولي الثقافة هناك، الذين أبدوا تقديرهم الكبير للأنشطة الثقافية المصرية. كما يشيد بأهمية مهرجان السليمانية السينمائي، متسائلًا عن سبب عدم عرض الأفلام المصرية فيه بشكل منتظم، ولماذا لا تسعى المهرجانات المصرية بدورها إلى استضافة مزيد من الأفلام الكوردية.

وفي ختام حديثه، يؤكد سامح الصريطي أنه لا يزال يحتفظ بملف كامل عن تسويق المسلسل المصري في كوردستان، وأن لديه أفكارًا عديدة يمكن البناء عليها لإعادة إحياء مشروع التعاون الفني بين الجانبين. ويشير إلى أن المشاهد الكوردي يتابع بالفعل الدراما المصرية عبر قنوات فضائية غير كوردية، ما يؤكد وجود رغبة حقيقية في هذا النوع من المحتوى، ويجعل من الضروري استثمار هذه الرغبة بشكل منظم ومدروس.

ويرى الصريطي أن استعادة دور القوة الناعمة المصرية لن تتحقق إلا عبر رؤية ثقافية شاملة، تؤمن بأن الفن ليس مجرد صناعة، بل رسالة، وأن التعاون مع كوردستان يمكن أن يكون نموذجًا ناجحًا لتكامل عربي يعيد الاعتبار للغة العربية، ويجدد الروابط التاريخية والإنسانية بين الشعوب.