د. سامان سوراني
أكاديمي كوردي
كسر الإرادة السياسية واستهداف الاستحقاق الكوردستاني
أفرزت الانتخابات الأخيرة في إقليم كوردستان معطىً سياسياً بالغ الدلالة، تمثّل بحصول الحزب الديمقراطي الكوردستاني على أكثر من مليون ومئة ألف صوت، في تعبير واضح عن ثقة شعبية واسعة، ومنحٍ ديمقراطي لا لبس فيه لقيادة هذا الحزب للتمثيل الكوردستاني، والدفاع عن استحقاقاته الدستورية ضمن الإطار الاتحادي.
غير أن هذا التفويض، الذي يُفترض أن يُشكّل قاعدة للاستقرار السياسي والشراكة الوطنية، واجه محاولات متكررة لإفراغه من مضمونه، عبر ممارسات سياسية يمكن توصيفها – من منظور علم السياسة – بمحاولات كسر الإرادة الانتخابية، لا من خلال صناديق الاقتراع، بل عبر اصطفافات وتحالفات ظرفية داخل المؤسسة التشريعية الاتحادية.
إن ما جرى في جلسة انتخاب النائب الثاني لرئيس مجلس النواب العراقي لا يمكن قراءته بمعزل عن هذا السياق. فالتعطيل الذي أصاب الجلسة، والدخول في حالة انسداد إجرائي غير مسبوقة، لم يكن ناتجاً عن إشكال قانوني بحت، بقدر ما كان انعكاساً لإرادات سياسية متقاطعة سعت إلى تعطيل استحقاق كوردستاني جرى تثبيته عرفاً دستورياً في الدورات السابقة.
ومن منظور دستوري، فإن تجاوز نتائج الانتخابات أو محاولة الالتفاف عليها عبر تعطيل المؤسسات، يُضعف الثقة بالعملية الديمقراطية، ويُعيد إنتاج أزمات سبق للعراق أن دفع أثماناً باهظة بسببها.
مايثير القلق في هذا السياق انخراط بعض الأطراف الكوردية في تحالفات مع قوى سياسية شيعية وسنية في بغداد، دون أن يكون لذلك سند واضح من الإرادة الشعبية الكوردستانية.
فحين تتقاطع هذه التحالفات مع قوى لا تُخفي مواقفها المتحفظة، أو حتى السلبية، تجاه تجربة إقليم كوردستان الدستورية والتنموية، يصبح من المشروع طرح تساؤلات حول جدوى هذه التحالفات وأثرها على وحدة الموقف الكوردي.
إن العمل السياسي، وفق المعايير الديمقراطية، لا يُقاس فقط بالقدرة على التعطيل، بل بمدى الانسجام مع الإرادة الشعبية، وبالنتائج التي يحققها لصالح المجتمع الذي يدّعي تمثيله.
في مقابل هذه التحديات، يواصل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بقيادة الرئيس مسعود بارزاني، تبني نهج سياسي قائم على التوازن بين الشرعية الشعبية والمسؤولية الوطنية.
فقد أثبتت التجربة أن هذا الحزب لم يكن يوماً مشروع إقصاء، بل كان – ولا يزال – مشروع بناء مؤسسات، وترسيخ استقرار، وتحقيق إنجازات ملموسة في مجالات الأمن، والاقتصاد، والإدارة، والعلاقات الإقليمية والدولية.
كما أن دعوات الرئيس بارزاني المتكررة إلى توحيد الصف الكوردستاني تنطلق من رؤية استراتيجية مفادها أن تماسك الموقف الكوردستاني هو المدخل الطبيعي لضمان الحقوق الدستورية، وليس التنازع الداخلي الذي لا يخدم سوى القوى الساعية إلى إضعاف الإقليم.
إن المرحلة الراهنة تتطلب من الشارع الكوردستاني قراءة المشهد بوعي ومسؤولية، والتمييز بين التنافس السياسي المشروع، وبين الممارسات التي تؤدي عملياً إلى إضعاف الصوت الكوردستاني في بغداد. فالوقوف إلى جانب الحزب الديمقراطي الكوردستاني في هذه اللحظة لا يعني الانحياز الحزبي الضيق، بقدر ما يُعبّر عن الدفاع عن خيار الاستقرار، والشرعية الانتخابية، ومشروع الإقليم.
ختاماً،إن احترام نتائج الانتخابات، وصون الإرادة الشعبية، يشكّلان حجر الأساس لأي نظام ديمقراطي مستقر. وأي محاولة لتجاوز هذه الإرادة، مهما تنوعت أدواتها، ستبقى قصيرة الأمد أمام وعي الشعوب. وفي هذا السياق، يبقى الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بما يمتلكه من قاعدة شعبية وإنجازات واقعية، ركناً أساسياً في حماية مصالح كوردستان، وتعزيز موقعها الدستوري ضمن عراق اتحادي تعددي.