د. ابراهيم احمد سمو
كاتب كوردي
العراق والمنطقة في منعطف حاسم: تفاؤل حذر في المرحلة القادمة من العملية الانتخابية رئيس الجمهورية
تشهد الساحة العراقية والإقليمية في هذه المرحلة تحولات متسارعة وغير مسبوقة، حيث تبدو الأحداث وكأنها قابلة للتغير في أي لحظة، وربما خلال ساعات قليلة. ما يجري اليوم لا يقتصر على الداخل العراقي فحسب، بل يمتد ليشمل كامل المنطقة، في ظل تداخل الضغوط السياسية والأمنية والنفسية، سواء القادمة من الداخل عبر البوابة الشرقية، أو من الخارج عبر تدخلات مباشرة وغير مباشرة، تحمل في طياتها الكثير من القلق وعدم اليقين.
هذه الضغوط المتراكمة لا تبشر بالخير في ظاهرها، إلا أن ضبط النفس وإدارة المواقف بحكمة قد يمنح بعض الأطراف فرصة حقيقية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وفي هذا السياق، تبرز القضية الكردية مجددًا في قلب المشهد، باعتبارها إحدى أكثر القضايا حساسية وتأثيرًا في المرحلة الحالية، حيث بلغت ذروتها خلال الأيام الماضية، وسط محاولات واضحة لإرباك الداخل الكوردي أو دفعه إلى صراعات جانبية تُضعف موقفه السياسي.
إن حالة الغموض التي تكتنف إدارة الدولة، سواء على مستوى القرار أو الرؤية المستقبلية، تجعل من الصعب على أي طرف أن يقف موقف المتفرج. فالأزمة التي تمر بها البلاد والمنطقة كبيرة ومعقدة، وقابلة للانفجار في أي لحظة. ورغم أن البعض قد يلجأ إلى الهروب من الواقع أو التقليل من حجم المخاطر، إلا أن المؤشرات الميدانية والسياسية تؤكد أن الشر يقف على حافة المشهد، وأن الخسائر المحتملة لا يمكن تجاهلها.
ما يحدث اليوم، وما سبقه بالأمس، ربما في غد يحمل العجب من التطورات و التداخلات ربما يمثل نهاية الطريق وبداية جديدة بالكامل، بل هو انتقال إلى مرحلة أكثر غموضاً المرحلة ، تتطلب إدارة دقيقة للنقاشات، واستنادًا واضحًا للمواقف على رؤى سياسية ناضجة. حتى وإن لم تُرضِ هذه المواقف جميع الأطراف، فإنها تعكس حالة استعجال في اتخاذ القرارات، وخوفًا متزايدًا من القادم، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح في الحراك السياسي خلال الايام الماضية.وقادم الايام …
ومع وصول موجة جديدة من التغيرات إلى المنطقة، وامتداد المظاهرات والتحركات الشعبية في الجانب الآخر من البوابة الشرقية، من المتوقع أن تكون المرحلة المقبلة ساخنة ومتوترة، وأن تتوالى الأخبار بوتيرة سريعة. وفي خضم هذا المشهد المضطرب، لا يبدو أن ما يُفرض على الواقع يستند إلى تاريخ ثابت أو قواعد سياسية راسخة، بل إلى توازنات مؤقتة وتحالفات هشة.
في هذه اللحظة المفصلية، تبقى الثقة بالنفس والتمسك بالثوابت الوطنية والقومية مفتاح الخروج من الأزمة بأقل الخسائر. فالأنظار تتجه اليوم إلى الجلسات السياسية الحاسمة، التي ستحدد مسار العملية الانتخابية في مرحلتها القادمة رئيس الجمهورية ، وتكشف المواقف الحقيقية لكل الأطراف، بعيدًا عن الخطاب الإعلامي والمجاملات السياسية.
المفارقة اللافتة أن أطرافًا كثيرة تختلف فيما بينها في معظم القضايا، لكنها تلتقي عند موقف واحد عندما يتعلق الأمر بالحزب الديمقراطي الكوردستاني، حيث تصبح مستعدة لدفع أي ثمن للوقوف ضده. غير أن التجربة التاريخية تؤكد أن الكورد كانوا ولا يزالون الركيزة الأساسية في معادلة الاستقرار، والحَكَم الحقيقي في المراحل المفصلية. ولهذا، فإن الحكمة تقتضي بقاء الموقف الكوردي و قتل الحجج و متماسكًا، بعيدًا عن الانجرار إلى صراعات تُدار من خلف الكواليس وفق أجندات خارجية.
المرحلة القادمة رئيس الجمهورية من التصويت تُعد الأخطر والأكثر حساسية. ففي حال إدارة هذه المرحلة بحنكة، وفوز المرشح المدعوم وفق المعطيات الحالية، فإن ذلك سيشكل ردًا سياسيًا واضحًا على كثير من الأطراف. أما في حال سوء الإدارة أو الانجرار إلى ردود فعل غير محسوبة، فقد تعود العملية السياسية برمتها إلى نقطة الصفر، وهو سيناريو لا يخدم أحدًا.
ورغم التحديات والرياح العاتية التي تعصف بالمنطقة، يبقى التفاؤل واجبًا، خاصة عندما يكون الحديث عن حزب يمتلك تاريخًا طويلًا من التضحيات، وارتبط اسمه بدماء الشهداء ومعاناة الملايين، من الأنفال إلى مختلف محطات النضال. مثل هذا الإرث لا يمكن تجاوزه بحجج واهية أو صفقات ظرفية.
إن حجم التضحيات التي قدمها الشعب الكوردي، ومعه مكونات أخرى من أبناء العراق، لا يسمح بالتفريط بالحقوق أو القبول بإقصاء سياسي مهما كانت الضغوط. فالديمقراطي واجه محاولات كثيرة، ونجح في تجاوزها، ولن تتوقف عجلة العملية السياسية لمجرد اصطفاف الخصوم في جبهة واحدة.
في الختام، يقف العراق والمنطقة أمام منعطف حاسم يتطلب وعيًا عاليًا، وحنكة سياسية، وقدرة على قراءة المشهد بدقة. المرحلة الحالية ليست نهاية الطريق، بل اختبار حقيقي للصبر والذكاء السياسي. التفاؤل ممكن، لكنه يجب أن يكون تفاؤلًا حذرًا، مبنيًا على حسابات دقيقة، من أجل عبور هذه المرحلة بأقل الخسائر، وفتح الطريق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا.