الدستور العراقي الدائم.. بين الإقرار الشعبي والانتهاكات المستمرة

أُقرّ الدستور العراقي الدائم في استفتاء شعبي جرى في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، إذ صوّت لصالحه نحو 78% من المشاركين، فيما بلغت نسبة المشاركة الإجمالية 63%. ودخل الدستور حيّز التنفيذ رسميًا بعد نشره في الجريدة الرسمية وتشكيل الحكومة بموجبه في عام 2006، ليكون أول دستور دائم يُقرّ عبر استفتاء شعبي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
هيكل الدولة والنظام الاتحادي
ينصّ الدستور في المادة الأولى على أن جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، ونظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي.
ويتألف الدستور من 144 مادة تتناول المبادئ العامة، والحقوق والحريات، والسلطات الاتحادية، وصلاحيات الأقاليم، إلى جانب تنظيم العلاقة بين الحكومة المركزية والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.
إقليم كوردستان في الدستور
أقرّ الدستور بوجود إقليم كوردستان وسلطاته القائمة كإقليم اتحادي يتمتع بصلاحيات واسعة، تشمل التشريع والتنفيذ والقضاء ضمن نطاقه.
ويُجيز الدستور للأقاليم وضع دستور محلي خاص بها، شريطة ألا يتعارض مع الدستور الاتحادي. كما يمنحها حق تعديل أو تعطيل تطبيق القوانين الاتحادية داخل الإقليم في حال تعارضها مع قوانين الإقليم، وذلك في المجالات التي لا تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
انتهاكات دستورية متكررة
رغم مرور ما يزيد على عقدين من الزمن على إقرار الدستور، إلا أن العديد من مواده ما زالت معطّلة أو منتهكة، خصوصاً تلك المتعلقة بالنظام الاتحادي وصلاحيات إقليم كوردستان.
وتشير تقارير قانونية وبرلمانية إلى أن أكثر من 55 مادة دستورية تم خرقها أو تجاهل تنفيذها من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة.
ومن أبرز هذه الانتهاكات المادة 140 الخاصة بتطبيع الأوضاع في كركوك والمناطق المتنازع عليها، والتي نصّ الدستور على استكمال إجراءاتها بحلول نهاية عام 2007، دون أن يتحقق ذلك حتى اليوم.
كما تستمر الخلافات بين بغداد وأربيل بشأن إدارة وتوزيع الثروات النفطية، وهي القضايا التي تنظمها المادتان 111 و112 من الدستور، لكنّها بقيت موضع نزاع سياسي وقانوني مستمر.
خلفية تاريخية.. دساتير العراق منذ 1925
يعود تاريخ الدساتير في العراق إلى عام 1925، حين أُقرّ أول قانون أساسي في العهد الملكي، ثم شهدت البلاد سلسلة من الدساتير المؤقتة عقب الانقلابات العسكرية التي بدأت في عام 1958.
غير أن دستور عام 2005 يُعدّ أول دستور دائم يُصاغ ويُقرّ بإرادة شعبية، بعد مرحلة انتقالية أعقبت سقوط النظام السابق عام 2003.
دعوات متجددة لتعديل الدستور
أدّت الانتهاكات المتكررة والانقسامات السياسية العميقة إلى تصاعد الدعوات لتعديل الدستور.
ويرى كثير من المراقبين أن النصوص الحالية تتضمن مواد غامضة وفضفاضة، فُسّرت بطرق متباينة وتسببت في أزمات سياسية واقتصادية متكررة.
وفي عام 2006، قُدمت مقترحات لتعديل عدد من المواد من قبل أطراف سياسية سنية، غير أن تلك التعديلات لم ترَ النور حتى الآن.
بعد مرور نحو عشرين عاماً على إقراره، ما يزال الدستور العراقي الدائم وثيقة مثقلة بالخلافات والتأويلات. فبينما يُعدّ خطوة تاريخية في إرساء النظام الديمقراطي، إلا أن تطبيقه الناقص والانتهاكات المستمرة لبنوده جعلاه موضع جدل دائم، وأعاد فتح النقاش حول ضرورة مراجعة نصوصه وصياغة عقد وطني جديد يضمن التوازن بين السلطات ويصون حقوق جميع المكوّنات العراقية.