بين الإهمال في النجف والنهضة السياحية في زاخو... صورتان متناقضتان لواقع السياحة في العراق

أربيل (كوردستان 24)- في الوقت الذي تُعدّ فيه السياحة أحد المحركات الاقتصادية الكبرى حول العالم، يقدم العراق وإقليم كوردستان صورتين متباينتين تماماً لهذا القطاع.

فبينما تعاني النجف – العاصمة الدينية للعراق – من الإهمال ونقص الخدمات الأساسية، تشهد زاخو في إقليم كوردستان نهضة سياحية متسارعة جعلتها نموذجاً يحتذى في الاستثمار والتنمية.

النجف... مدينة دينية تئنّ تحت ضعف الخدمات

تستقبل محافظة النجف سنوياً ملايين الزوار من داخل العراق وخارجه، وتضم أكثر من 974 موقعاً دينياً، إلا أن هذا الزخم الروحي لم يتحول إلى ازدهار سياحي واقتصادي كما هو مأمول.

فالزوار يواجهون مشكلات مستمرة في البنية التحتية، وضعف التنظيم، وغياب الفنادق والخدمات السياحية المتطورة.

تقول ساجدة علي، وهي زائرة من محافظة العمارة:
"النجف ومرقد الإمام علي عليه السلام موقع ديني مهم، لكننا نحتاج إلى اهتمام أكبر. لا توجد فنادق جيدة ولا مطاعم بمستوى يليق بزوار من مختلف الدول."

ويشير داخل حسن، أحد سكان المدينة، إلى الجانب الاقتصادي من الأزمة قائلاً:
"لو تم بناء مزيد من الفنادق والمرافق، فستتوفر فرص عمل كثيرة للشباب، وسيُعاد تنشيط الاقتصاد المحلي."

أما الخبير الاقتصادي كريم عباس فيحمّل سوء الإدارة مسؤولية التراجع: "المليارات صُرفت على مشاريع غير مدروسة، دون وجود بنية سياحية حقيقية. حتى مطار النجف يفتقر إلى التنظيم، والمدينة تفتقد إلى رؤية حضرية حديثة تدعم قطاع السياحة."

زاخو... قصة نجاح في ظل حكومة الإقليم

على النقيض تماماً، أصبحت مدينة زاخو في إقليم كوردستان رمزاً للانتعاش السياحي، بفضل الاستراتيجية الحكومية للكابينة التاسعة التي جعلت السياحة أحد ركائز التنمية الاقتصادية.

فقد غيّر كورنيش زاخو ومعالمه الحديثة وجه المدينة بالكامل، وجذب خلال العام الماضي أكثر من مليون سائح من داخل العراق وخارجه.

ويمتد المرحلة الثانية من المشروع على طول ثلاثة كيلومترات، تتضمن مساحات خضراء تتجاوز 50%، ما يجعلها واحدة من أجمل المناطق الترفيهية في شمال العراق.

وخلال أربع سنوات فقط، تم تنفيذ 28 مشروعاً سياحياً باستثمارات بلغت 139 مليون دولار، أي ما يعادل 39% من مجموع المشاريع الاستثمارية في المدينة، مما أسهم في خلق مئات فرص العمل وتنشيط الأسواق.

انطباعات الزوار والمستثمرين

يقول السائح محمد علوش، الذي زار زاخو للمرة الأولى:
"المدينة جميلة جداً، أجواؤها رائعة ونظيفة، والمطاعم تقدم خدمات ممتازة. جئنا كعائلة ونشعر براحة كبيرة هنا."

أما سباح جمال، وهو سائح آخر، فيقارن بين زاخو ومدن العراق الأخرى قائلاً:
"زاخو تفوقت على كثير من المدن العراقية في السياحة. المدينة نظيفة والناس طيبون، وهذا يجعلها وجهة مفضلة."

من جانبه، يؤكد المستثمر مصطفى عبدالسلام، صاحب أحد المشاريع السياحية، أن هناك فرصاً واعدة في المستقبل:
"زاخو تملك طبيعة ساحرة ومواقع كثيرة يمكن تطويرها. نحتاج فقط إلى مزيد من الدعم الحكومي والترويج الإعلامي."

رؤيتان متباينتان للتنمية

تعكس تجربتا النجف وزاخو التباين الحاد بين إدارة ضعيفة في الجنوب وتخطيط استراتيجي في كوردستان.

فبينما تبقى النجف رمزاً دينياً مهمّاً لكنه مثقل بالإهمال، تحولت زاخو إلى نموذج للنهضة السياحية والتنمية الاقتصادية المستدامة.

إنها صورتان متناقضتان لعراق واحد…

عراق يمكن أن يزدهر متى ما توافرت الإرادة والرؤية.

 
Fly Erbil Advertisment