محمود المليجي.. نجم الأدوار الصعبة الكوردي عاشق الأرض

محمود المليجي.. نجم الأدوار الصعبة الكوردي عاشق الأرض
محمود المليجي.. نجم الأدوار الصعبة الكوردي عاشق الأرض

يعد الفنان القدير محمود المليجي أحد أهم الممثلين في تاريخ التمثيل العربي، ومن أكثر الفنانين المعروفين بقدرتهم على تجسيد الأدوار الصعبة. تعود جذوره إلى كوردستان، أحب في بداية مسيرته أن يقدم أول أفلامه عن شخصية كوردية، وهو "صلاح الدين الأيوبي"، وذلك في عام 1941، من إخراج بدر لاما، بمشاركة أنور وجدي، ذلك الفيلم الذي أعاده فيما بعد يوسف شاهين، وشارك فيه أيضًا محمود المليجي للمرة الثانية.

محمود المليجي، الذي لم يكن مجرد ممثل بارع في أدوار الشر، بل حالة فنية وإنسانية متفردة. ورغم حضوره القوي كمصري أصيل في الفن والمجتمع، فإن أصوله الكردية غالبًا ما ظلت غائبة عن السرد الرسمي لتاريخ هذا النجم الكبير.

وُلد محمود المليجي في الثاني والعشرين من ديسمبر عام 1910 بحي المغربلين الشعبي في القاهرة، في بيت متواضع لأسرة تنتمي من ناحية الجذور إلى أصول كوردية. قدمت عائلته إلى مصر منذ عقود طويلة، واندمجت في المجتمع المصري، شأنها شأن عشرات العائلات ذات الأصول غير المصرية التي أسهمت في تشكيل نسيج المجتمع الحضري في القاهرة والإسكندرية. لم يتحدث المليجي كثيرًا عن أصوله الكوردية في لقاءاته، لكن العارفين بسيرته والباحثين في خلفيات أعلام الفن المصري يؤكدون انتماءه العرقي الكوردي، ولكن في سنواته الأخيرة أعاد البحث في جذوره الكوردية، وكان يتمنى أن يصل لأجداده أو يعرف عنهم الكثير.

لم تكن بدايات الفنان محمود المليجي ممهدة، بل عانى كثيرًا، وبخاصة أنه كان يحاول أن يجرب نفسه في المسرح أمام الكبار، ومنهم عزيز عيد، الذي رفض قبوله في البدايات، لأنه كان لا يزال طفلًا في سن لم يتجاوز السادسة من عمره.

يقول رحمه الله إنه ظل يحلم بالتمثيل إلى أن شارك في فرقة المدرسة المسرحية، وكان من بين الحاضرين الفنانة "فاطمة رشدي"، التي أرسلت تهنئ المليجي ـ بعد انتهاء العرض ـ على أدائه الجيد لدور "ميكلوبين" في مسرحية "الذهب"، ودعته لزيارتها في مسرحها حيث عرضت عليه العمل في فرقتها بمرتب قدره أربعة جنيهات شهريًا.

قدم المليجي مع "فاطمة رشدي" مسرحية (667 زيتون) الكوميدية، كما مثل دور "زياد" في مسرحية (مجنون ليلى). وكان أول ظهور له في السينما في فيلم (الزواج على الطريقة الحديثة ـ 1932) الذي أنتجته وأخرجته فاطمة رشدي، وقام هو بدور الفتى الأول أمامها. وبعد أن حُلَّت فرقة فاطمة رشدي، عمل المليجي كملقن في فرقة يوسف وهبي المسرحية. ثم اختاره المخرج "إبراهيم لاما" لأداء دور "ورد" غريم "قيس" في فيلم سينمائي من إخراجه في عام 1939.

كما أنه وقف، في عام 1936، أمام "أم كلثوم" في فيلمها الأول (وداد). إلا أن دوره في فيلم (قيس وليلى) هو بداية أدوار الشر له، والتي استمرت في السينما قرابة الثلاثين عامًا. حيث قدم مع "فريد شوقي" ثنائيًا فنيًا ناجحًا، كانت حصيلته أربعمائة فيلم. وكانت نقطة التحول في حياة "محمود المليجي" في عام 1970، وذلك عندما اختاره المخرج "يوسف شاهين" للقيام بدور "محمد أبو سويلم" في فيلم "الأرض". فقد عمل فيما بعد في جميع أفلام يوسف شاهين، وهي: الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية.

والمدهش أن المليجي كان أول من قدم صديق عمره ومنافسه الأول فريد شوقي، للتمثيل، ومعه تحية كاريوكا، محسن سرحان، حسن يوسف، وغيرهم.

جسد معظم الأدوار، فبرغم أن شخصية الشرير التي ظل يقدمها طوال فترة شبابه، إلا أنه في سنواته الأخيرة أصر على أن يقدم أدوار الطيب، وبخاصة بعد دوره في فيلم "الأرض" مع يوسف شاهين، أحد أعظم أدواره على الإطلاق.

وقد عُرف في تاريخ السينما بأنه أفضل من جسد شخصيات اللص، المجرم، القوي، العاشق، رجل المباحث، البوليس، الباشا، الكهل، الفلاح، الطبيب، المحامي.. كما أدى أيضًا أدوارًا كوميدية.

 

كان عضوًا بارزًا في الرابطة القومية للتمثيل، ثم عضوًا بالفرقة القومية للتمثيل. لقد كان محمود المليجي فنانًا صادقًا مع نفسه.. تزوج من رفيقة عمره الفنانة "عُلوية جميل" سنة 1939، وبقي مخلصًا لها على مدى أربعة وأربعين عامًا حتى وفاته. كان إنسانًا مع زملائه الفنانين، وأبًا روحيًا لهم، ورمزًا للعطاء والبذل والصمود أمام كل تيارات الفن الرخيص - بالرغم من أنه اضطر للعمل في أعمال تجارية في السبعينات مثل "ألو أنا القطة" - إلا أنه يعد رمزًا لفنان احترم نفسه فاحترمه جمهوره.

رحيل مفاجئ

مخرج فيلم "أيوب"، المخرج هاني لاشين، قال إنه أثناء تصوير الفيلم وكان مشهد عن موت المليجي في الأحداث: "جلسنا على ترابيزة ننتظر انتهاء تجهيز المكياج، وطلب الجميع قهوة، ولكن لم يدم انتظارنا طويلًا ليبدأ الفصل الأخير في حياة محمود المليجي في هذه اللحظة، فيوجه حديثه لعمر الشريف قائلًا: (الحياة دي غريبة جدًا، الواحد ينام ويصحى وينام ويصحى)، وقام بخفض رأسه كأنه نائم على الكرسي وكأنه مستغرق في النوم، فنظر الجميع إليه بدهشة من روعة تمثيله وبدأ الجميع في الضحك". ثم قال له عمر الشريف: (إيه يا محمود خلاص بقى اصحى)، إلا أنه كانت المفاجأة أن محمود خلص، فمات كأنه على خشبة مسرح، مات وهو يؤدي مشهد الموت".

وقال عمر الشريف أيضًا: "المليجي مات في إيديا، كنا معًا في انتظار تصوير فيلم (أيوب)، وكان عندنا أوردر الساعة 10 الصبح في ملهى ليلي بشارع الهرم، حضرت فلم أجد أحدًا غيره، مات من كثرة الشغل، فقد عمل في أواخر حياته كثيرًا وهو راجل كبير".

يضيف الشريف: "من أكبر الممثلين الموهوبين في تاريخ مصر، كنت أحب تمثيله جدًا، كان ممثلًا عبقريًا، عمل أفلامًا لا تُنسى مع صلاح أبو سيف ويوسف شاهين، وأفلامًا قديمة كانت جميلة جدًا حتى لو كان دوره صغيرًا، مثل دوره الصغير في فيلم (غزل البنات)، ظهر وكأنه جان في السينما رغم أن معظم أدواره كان يظهر فيها شريرًا".

رحل في السادس من شهر يونيو عام 1983، عن عمر ناهز الثالثة والسبعين، إثر أزمة قلبية حادة، بعد رحلة عطاء مع الفن استمرت أكثر من نصف قرن، قدم خلالها أكثر من سبعمائة وخمسين عملًا فنيًا، بينها 318 فيلمًا، ما بين السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة.