الكورد.. إرث وحقوق وحضارة يعترف بها أدباء وكتاب مصريون

الكورد.. إرث وحقوق وحضارة يعترف بها أدباء وكتاب مصريون
الكورد.. إرث وحقوق وحضارة يعترف بها أدباء وكتاب مصريون

لم تحظى قضية لشعب عربي له حضارة عميقة الجذور بالإهتمام من كبار الكتاب فى مصر مثلما حظيت ولا زالت قضية الكورد فى كل دول العالم، ولعل ما يؤكد ذلك هو مناداة أحد اهم الكتاب والأدباء المصريين المتعمقين فى القضايا العربية والدارس والباحث بعمق فى الأدب الفرنسي الكاتب الكبير محمد سلماوي الذى يكرم لاختياره شخصية العام الثقافية للدورة الرابعة والأربعين من معرض الشارقة الدولى للكتاب ٢٠٢٥، والتى أعلنت عنها هيئة الشارقة للكتاب، تقديرًا لمسيرته الأدبية الممتدة لأكثر من خمسة عقود، وإسهاماته الثرية فى المسرح والرواية والعمل الثقافى العربى.

حقوق أصيلة فى مصر

قال "سلماوي"بأن للكرد حقوق فى معظم دول العالم، ولهم حقوق واضحة فى مصر، وعلينا جميعا ان نعترف بها، وقد اثار هذا التصريح جدلا واسعا كونه يؤكد بأن التاريخ يجب أن لاينسي.

وقال "سلماوي": الاهتمام بالثقافة الكردية والقبطية والأمازيغية وغيرها من ثقافات وطننا العربى هو إحياء لفاعلية حضارتنا العربية الشاملة."

وعزز "سلماوى" رأيه بان اكد على أنهم جزء من التكوين المصري ، متسائلا :لماذا يطالب الكرد بحقوقهم الوطنية فى كل من العراق وسوريا وتركيا وإيران وليس فى مصر؟.

سؤال مهم طرحته زيارتى لكردستان بالعراق لحضور معرض أربيل الدولى للكتاب، إن الكرد يعيشون فى مصر منذ مئات السنين، لكنهم لا يشكلون قومية مستقلة تجعلهم أقلية عرقية مختلفة، فعدد من أشهر العائلات فى مصر أصولها كردية، مثل عائلات تيمور والكردى والخربوطلى ووانلى والأيوبى والسويركى وظاظا وأغا وعونى وبدرخان وخورشيد وماردينى وأورفلى وغيرها، وهى كلها عائلات مصرية مثلها مثل أى عائلة مصرية أخري، وهذا هو الفارق بين كرد مصر وكرد الدول الأربع السالفة الذكر الذين تعرضوا للقهر والاضطهاد فى مختلف فترات التاريخ، فكان من نتيجة ذلك أن تشبثوا بهويتهم الثقافية والوطنية كرد فعل طبيعى لمحاولات سحقهم، ووصلت تلك المحاولات إلى ذروتها فى أثناء حكم صدام حسين، وقد ترسبت فظائع ذلك العهد - من استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا إلى دفن البعض أحياء - فى وجدان كل مواطن كردى فى العراق وخارجها مما خلق اتجاها قويا يسعى للاستقلال عن الدولة الأم، وهو مطلب قائم وإن كان لا يضم عموم الكرد .

هذه رأي فجر الكثير من التساؤلات ، لكنه لم يكن بعيدا عن ما كان قد كتبه الأديب والكاتب الساخر محمود السعدني منذ سنوات عن الكرد فى مصر، وأهميتهم وأمتداد حضارتهم.

 

محمود السعدني: يا عيني على الكورد!

فى عام كتب الأديب والكاتب الساخر الشهير محمود السعدني عن تلك القضية محلالا طبيعة الشعب الكردي مع التركيز على أنه شعب له تاريخ طويل وله صفات تكاد تكون متفردة ، وجاء فى ما كتب بعنوان 1999 بعنوان "يا عيني على الكرد!"، قال:

لم يظلم التاريخ أمة من الأمم كما فعل مع أمة الكرد، فهم شعب من الآريين شأنهم شأن الألمان، حقيقة أثبتتها عظام الجمجمة والملامح، لكنهم ضاعوا بين جبال شاهقة وحدود متغيرة وسلاطين لا يعرفون الرحمة.
الكرد شعب يعرف الشجاعة كما لايعرف الخذلان، لا يملك من الدنيا إلا أرضه وكرامته، وكلما حاول أن يرفع رأسه نزلت عليه المطارق من كل صوب.

شعب متدين بطبعه

وتوسع الدكتور على ابو الخير فى تفصيل حقوق الكورد فى مصر فقال :الشعب الكردي شعب مسلم متدين، معتدل في تدينه، متصوف في روحانيته، وكثير منهم أتباع الطريقة الرفاعية والطريقة النقشبندية، بعيدًا عن أي تشنج ديني، وساهم الأكراد في نشر الإسلام في شرق آسيا.

ولقد ظل الشعب الكردي جزءًا لا يتجزأ من دولة الخلافة، منذ الخلافة الأموية وحتى سقوط الخلافة العثمانية، أي منذ اعتنق الأكراد الإسلام، وأغلبهم من أهل السنة والجماعة.

وأشهر من ظهر منهم هو القائد صلاح الدين يوسف بن أيوب، الذي أسقط الدولة الفاطمية، وأعادها إلى الخلافة العباسية إسميًّا، ولكنه كان الحاكم الحقيقي لمصر والشام والحجاز واليمن. ويعتبره المسلمون المنتصر على الصليبيين، ويفتخر به الكردى، رغم خطاياه في القضية الإسلامية، ومنها القضية الكردية ذاتها، وتحتاج إلى دراسة مستقلة.

بعد الفتح الإسلامي لكردستان ودخول الأكراد كمكوّن جديد إلى الأمة الإسلامية، ساهم الكرد مع إخوانهم من المسلمين في صنع الحضارة الإسلامية الزاهية، وأخذوا يتوافدون على مصر، كرجال حكم وإدارة وقادة عسكريين وجنود وتجار وطلبة علم في الجامع الأزهر طوال التاريخ الإسلامي، ومنهم باحثون عن عمل، ولاجئون من اضطهاد .

وأصبحوا جزءًا من المجتمع المسلم حينها، ليساهموا بعد الفتح في بناء الحضارة الإسلامية، وتحديدًا مع تولي صلاح الدين الأيوبي “الكردي” سلطنة مصر، ومعه ذووه.

ويعدّ الجامع الأزهر منذ تأسيسه في عهد الدولة الفاطمية قبلة الراغبين في النهل من علوم الدين، إلا أن الطلبة الأكراد كان لهم وضع خاص، حيث كان يوجد في الجامع الأزهر “رواق” خاص بهم، كما كانت أروقة الشوام والمغاربة، وكانت له أوقاف، حيث يضم غرفًا للطعام وأخرى للنوم، إضافة إلى المكتبة، ويحصل الطلاب المقيمين فيه على الطعام والكساء من الأغنياء، ومن الأوقاف المسجلة عليه.

هاجر الكثير من الأكراد إلى مصر وانقطعت جذورهم مع موطنهم الأول، ولم يبقَ لهم من تلك الصلة سوى الاسم، وخرج الكثير من أبنائهم وأحفادهم من رجال الإدارة والأدباء والشعراء والفقهاء والفنانين، وأسدوا خدمات جليلة لوطنهم مصر، لكنهم لم ينكروا كرديتهم.

لم يشذ الأكراد في العصر الحديث عن ذلك، فكانت هجراتهم إلى مصر مستمرة خاصة طوال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث كانت مصر في ذلك الزمن ملاذًا للمضطهدين من مثقفي الشام.

كما جاء كثير من مثقفي الأكراد إلى مصر وأثروا جميعًا الحضارة العربية المعاصرة، ومن الذين أثروا الفكر العربي من غير الأكراد المؤرخ “جورجي زيدان”، والصحفية المشهورة “فاطمة اليوسف، أو روزا اليوسف”، التي أسست دار روزا اليوسف التي تصدر حتى اليوم، والأخوين “بشارة وسليم تقلا” مؤسسي جريدة “الأهرام” في مصر، والفنان “بشارة واكيم”، و**“يعقوب صنّوع”**، وغيرهم كثيرون أثروا الثقافة العربية والفن العربي.

وبالفعل وصلت أسر كردية إلى مصر وتزوجوا فيها، وذابوا وانصهروا في المجتمع المصري.

ولا ننسى دور الإسلام في التقريب بين كافة المسلمين وتذويب الفوارق العرقية فيما بينهم، ولأن المصريين عرب يتكلمون اللغة العربية، فقد تعرّب الأكراد، وصارت ثقافتهم عربية، وهويتهم مصرية، وصار للأكراد أصول عرقية كردية بهوية مصرية وثقافة عربية إسلامية قرآنية، يفتخرون بها، كما يفتخر العرب بالأكراد.

وعندما استقر الحال بمثقفي الأكراد الذين أسهموا في الحياة الثقافية المصرية بصورة ملهمة، تثبت حيوية شعب كردستان وثقافته وأمله في الحرية والعدل.

بعض أهالي مدينة الكردي فى مصر من المثقفين يعرفون أصل كلمة الكردي، والآخرون لا يعلمون، ولا يدركون سوى مصريتهم وعروبتهم وإسلامهم، الذي يجمعهم مع الأكراد وغير الأكراد من المسلمين.

وأيضا قرية “منشأة الكردي” في محافظة الغربية، و “بنو زيد الأكراد”، و“جزيرة الأكراد” في صعيد مصر، “ومدينة الكردي”، و “كفر الكردي”، و“ميت الأكراد” في محافظة الدقهلية.

 

أنيس منصور.. المثقّف السياسي

أما أنيس منصور، فقد تناول المسألة الكردية من زاوية مختلفة تميل إلى التحليل السياسي لا العاطفة. عندما كتب تحت عنوان "لابد أن يتمزق الشرق الأوسط" قال:

ولابد أن يتمزق البلد الواحد ديانات وأقليات، ليس هذا رأيي ولا أملي، وإنما هي خطة الذين فركشوا الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا... الذين يحرصون على أن لا تكون للأكراد دولة موحدة، حتى يبقى الشرق الأوسط مشتعلًا أبداً.

هنا نرى منصور ينظر إلى القضية الكردية باعتبارها ورقة في لعبة القوى الكبرى، لا باعتبارها قضية تحرر وحقوق إنسان. فهو لا ينكر معاناة الكرد، لكنه يشكك في إمكانية حلّها دون أن تُستغل من الخارج.

ورغم تحفّظه الظاهر، فإن مقاله يعكس إدراكًا مبكرًا لطبيعة "اللعبة الجيوسياسية" التي جعلت من حلم الدولة الكردية ساحة صراع بين المصالح الدولية.
إنه صوت المثقف الذي يقرأ التاريخ بعين الواقعي الحذر، لا بعين الحالم بالعدالة.

هذه بعض أصوات مصرية كتبت بكل حب عن حقوق الكرد فى مصر وكيف أن لهم فى كل مدينة جزور وأحفاد ، وبالأدلة التى سجلت فى وثائق رسمية بأسماء شخصيات وقرى تحمل إسم "الكردي".
هذا التزواج البشرى والحضارى يدل على أن الكردي والمصري تربطهما روح واحدة وثقافة واحدة وتاريخ تفرضه لا المسميات بل الإرث الموجود فى كل مكان