غرينلاند الجزيرة التي تسعى أميركا لشرائها
أربيل (كوردستان24)- غرينلاند، الجزيرة الأكبر في العالم، تتمتع بحكم ذاتي ضمن مملكة الدنمارك، لكنها تُعد الأقل كثافة سكانية. تغطيها ثاني أكبر كتلة جليدية على وجه الأرض بعد القارة القطبية الجنوبية، وتقع بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي الشمالي.
أصل التسمية والموقع الجغرافي
يطلق السكان الأصليون، الإنويت، على الجزيرة اسم "إنويت نونات" أو "كالاليت نونات"، أي "أرض الناس"، بينما يُعرفون عاصمتها نوك باسم "غود ثوب". ورغم أن غرينلاند جزء من قارة أميركا الشمالية، إلا أنها جيوسياسيًا تابعة لأوروبا بحكم انتمائها للدنمارك.
تقع الجزيرة شمال شرق كندا، إذ تفصلها عنها مسافة 26 كيلومترًا فقط عبر مضيق ناريز، بينما تبعد عن آيسلندا، أقرب الدول الأوروبية إليها، نحو 320 كيلومترًا عبر مضيق الدنمارك. وتصل مساحتها إلى 2.166 مليون كيلومتر مربع، بامتداد طولي يبلغ 2670 كيلومترًا وعرض يصل إلى 1050 كيلومترًا.
التضاريس والمناخ
تُعد غرينلاند امتدادًا للدرع الكندي القديم، المكون من صخور تعود لعصور ما قبل الكامبري. أعلى نقطة فيها هي جبل غونبيورن بارتفاع 3733 مترًا. وتغطي الأنهار الجليدية نحو 79% من مساحتها، حيث يبلغ متوسط سماكة الجليد 1500 متر، ويصل في بعض المناطق إلى 3000 متر.
تضم الجزيرة نحو 2.85 مليون كيلومتر مكعب من الجليد، ما يمثل 7% من إجمالي المياه العذبة في العالم. وتشير تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) إلى أن ذوبان الجليد بالكامل قد يؤدي إلى ارتفاع مستوى المحيطات عالميًا بمقدار 7.2 أمتار.
المناخ في غرينلاند بارد للغاية، إذ تتراوح درجات الحرارة شتاءً بين -7 درجات مئوية في الجنوب و-34 درجة مئوية في الشمال، بينما تتراوح صيفًا بين 4 و7 درجات مئوية. كما تشهد ظاهرة "شمس منتصف الليل"، حيث تبقى الشمس مشرقة لمدة شهرين خلال الصيف.
السكان والثقافة
يبلغ عدد سكان غرينلاند نحو 56 ألف نسمة، يتركزون في المناطق الساحلية الجنوبية والغربية، خاصة في العاصمة نوك، التي تضم ربع السكان. أما المناطق الداخلية فهي غير مأهولة بسبب الغطاء الجليدي.
يتكون السكان الأصليون من الإنويت، الذين ينقسمون إلى مجموعات مختلفة وفقًا لمناطقهم. أما الأوروبيون، خصوصًا الدنماركيين، فيشكلون نسبة صغيرة. تُعد المسيحية، وبالأخص اللوثرية الإنجيلية، الديانة السائدة. وكانت الدنماركية اللغة الرسمية حتى عام 2009، عندما أصبحت الغرينلاندية اللغة الرسمية، مع استمرار استخدام الدنماركية كلغة ثانية.
الاقتصاد والموارد الطبيعية
يعتمد الاقتصاد المحلي على صيد الفقمات والأسماك والحيتان، إلى جانب السياحة والتعدين. وتشتهر الجزيرة بثرواتها الطبيعية، مثل الفحم وخام الحديد والزنك واليورانيوم والذهب، إضافة إلى ثروتها البحرية الهائلة. رغم ذلك، فإن استخراج النفط والغاز الطبيعي محظور لأسباب بيئية، كما تواجه مشاريع التعدين معارضة من السكان الأصليين.
شهدت السياحة ازدهارًا ملحوظًا، حيث زاد عدد السياح الأجانب بأكثر من 50% منذ عام 2000، في حين ارتفع عدد زوار السفن السياحية بنسبة 150% خلال الفترة ذاتها.
التاريخ والاستيطان
يُعتقد أن الإنويت هاجروا إلى غرينلاند قبل نحو 2500 سنة قبل الميلاد، عبر جزر القطب الشمالي الكندية، وصولًا إلى شمال غرب الجزيرة. على مر العصور، شهدت غرينلاند ست موجات هجرة ثقافية مختلفة للإنويت، كان آخرها ثقافة "ثول" في القرن الـ12 الميلادي، والتي ينحدر منها سكانها الحاليون.
في عام 982م، استوطن الجزيرة الفايكنغ، بقيادة المستكشف الإسكندنافي إريك الأحمر، الذي أطلق عليها اسم "الأرض الخضراء" لجذب المستوطنين الإسكندنافيين إليها. استمرت مستوطنات الفايكنغ في جنوب غرينلاند لعدة قرون قبل أن تختفي لأسباب غير مؤكدة، يُعتقد أنها تشمل التغيرات المناخية ونقص الموارد.
غرينلاند في السياسة الدولية
نظرًا لموقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية، تثير غرينلاند اهتمام القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، التي عرضت شراءها من الدنمارك أكثر من مرة، كان آخرها عام 2019، لكن الدنمارك رفضت الفكرة بشدة، معتبرة أن الجزيرة ليست للبيع.
ورغم ذلك، فإن النفوذ الأميركي في غرينلاند واضح، إذ تحتضن الجزيرة قاعدة "ثول" الجوية، التابعة للقوات الأميركية، والتي تلعب دورًا أساسيًا في أنظمة الإنذار المبكر ومراقبة الصواريخ.
تحديات المستقبل
تواجه غرينلاند تحديات بيئية كبيرة، أبرزها تأثير الاحتباس الحراري، حيث يتسارع ذوبان الجليد بشكل غير مسبوق. في عام 2012، أظهرت الأقمار الصناعية أن 97% من الغطاء الجليدي تعرض للذوبان، مقارنة بالمعدل المعتاد الذي لم يكن يتجاوز نصفه.
كما تثير مسألة الاستقلال عن الدنمارك نقاشات مستمرة بين سكان غرينلاند، حيث يسعى بعضهم إلى تحقيق استقلال تام، بينما يفضل آخرون الحفاظ على العلاقة مع الدنمارك لضمان الاستقرار الاقتصادي والدعم المالي.