أزمة صامتة في شرق كوردستان.. الفقر واليأس يدفعان المئات نحو الانتحار

أربيل (كوردستان24)- كشفت إحصائيات مقلقة صادرة عن منظمات حقوق الإنسان عن أزمة إنسانية متفاقمة في مناطق شرق كوردستان (كوردستان إيران)، حيث أقدم أكثر من 100 شخص على إنهاء حياتهم خلال الأشهر الستة الماضية فقط. وتُشير التقارير إلى أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية القاسية، وفي مقدمتها الفقر والبطالة، هي المحرك الرئيسي وراء هذه الظاهرة المأساوية.

الفقر والبطالة.. الأسباب الرئيسية للمأساة

وفقاً للبيانات، يُعزى أكثر من 40% من حالات الانتحار المسجلة مباشرة إلى الفقر المدقع. يتزامن هذا مع تدهور الوضع الاقتصادي العام في إيران، والذي ألقى بظلاله الثقيلة على المناطق الكوردية، مما أدى إلى تفاقم البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل يصعب تحمله، خاصة بالنسبة للشباب الذين يجدون أنفسهم أمام مستقبل غامض وإمكانيات محدودة.

يقول رحمن رسولي، أحد كبار السن في المنطقة: "يجب على الكبار أن يكونوا على دراية بأحوال الشباب. طعامهم لا يكفي، يحتاجون لأشياء ولا يملكونها، إمكانياتهم محدودة ولا يوجد لديهم دخل، والأسعار مرتفعة". هذا التصريح يختصر معاناة جيل كامل يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.

العزلة الاجتماعية وغياب الدعم

إلى جانب الأسباب الاقتصادية، تلعب المشاكل الاجتماعية والعائلية، وغياب شبكات الدعم النفسي، دوراً محورياً في دفع الأفراد نحو حافة اليأس. يحيى تني، شاب يبلغ من العمر 22 عاماً نجا من محاولة انتحار قبل عامين، يوضح أن "العزلة الاجتماعية" هي أحد العوامل القاتلة. ويقول: "الأشخاص الذين ينتحرون عادة ما يكونون في عزلة، محيطهم خالٍ من الدعم، ومساحة الحماية لديهم صغيرة جداً". ويضيف أن غياب الدعم العاطفي والمادي يجعلهم يشعرون بأنهم وصلوا إلى طريق مسدود.

معدلات مقلقة ومقارنات صادمة

الأرقام الرسمية ترسم صورة أكثر قتامة للوضع في المناطق الكوردية مقارنة ببقية أنحاء إيران. فبينما يبلغ المعدل الوطني للانتحار حوالي 5 إلى 6 حالات لكل 100 ألف نسمة، ترتفع هذه النسبة بشكل كبير في محافظتي كرماشان وإيلام لتصل إلى 11.5 حالة لكل 100 ألف نسمة، أي ما يقارب ضعف المعدل العام.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو انخفاض سن المنتحرين، حيث سُجلت حالات لأطفال ومراهقين دون سن الخامسة عشرة، مما ينذر بكارثة مجتمعية تتطلب تدخلاً عاجلاً.

الحاجة إلى تفهم ودعم بدلاً من اللوم

يشدد الخبراء والمختصون النفسيون على ضرورة تغيير طريقة تعامل المجتمع مع الأفراد الذين تظهر عليهم ميول انتحارية. يؤكد الدكتور هدايت إفروزة، وهو مستشار متخصص، أن هؤلاء الأفراد ليسوا بحاجة إلى توبيخ أو نصائح أخلاقية قد تزيد من شعورهم بالذنب وتفاقم حالتهم النفسية. بدلاً من ذلك، فإن الخطوة الأولى والأهم هي "بناء علاقة جيدة معهم، وخلق شعور بالثقة والطمأنينة".

إن ارتفاع معدلات الانتحار في شرق كوردستان ليس مجرد أرقام وإحصائيات، بل هو صرخة استغاثة من مجتمع يعاني من ضغوط اقتصادية واجتماعية هائلة. وتتطلب هذه الأزمة استجابة شاملة لا تقتصر على الدعم النفسي الفردي، بل تمتد لتشمل معالجة جذور المشكلة المتمثلة في الفقر والبطالة والتهميش.

 
Fly Erbil Advertisment