التوغلات الاسرائيلية المتكرّرة في جنوب سوريا ترهق السكّان

أربيل (كوردستان24)- يشير محمد العلي متحسّرا، إلى أنقاض منزله في الحميدية في جنوب سوريا ويقول إنّ الجيش الإسرائيلي دمّره خلال توغله الأخير في البلدة الواقعة على أطراف المنطقة المنزوعة السلاح مع إسرائيل.
ويروي العلي (50 عاما) من مسافة تبعد بضع مئات من الأمتار عن المنزل المدمّر، لوكالة فرانس برس، "دخلت قوات إسرائيلية تحت جنح الظلام وهدمت منزلي إلى جانب 15 بيتا آخر" لفتح الطريق أمام الدبابات، "فتحوّل خلال ساعات إلى تراب".
وتجري بعيدا عن الأضواء مفاوضات حثيثة بين سوريا وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني يشمل المنطقة الحدودية، إلا أن الجيش الإسرائيلي يواصل عمليات التوغل في الجانب السوري من الجولان منذ تسلّم السلطات الجديدة الحكم بعد سقوط بشار الأسد.
ويتعذّر على العلي الذي يعمل موظفا في مديرية زراعة القنيطرة، حاليا الوصول إلى منزله في الحميدية التي تحوّلت إلى منطقة عمليات عسكرية، واستحدث بجانبها مقرّ عسكري إسرائيلي.
ويردف الرجل متأثرا "هذه الأراضي ملك السوريين، لا يمكن أن يكون هناك سلام قبل أن تعود إلينا".
وفي أعقاب إطاحة تحالف فصائل مسلّحة بحكم بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 بعد نزاع استمرّ نحو 14 عاما، تقدّمت القوات الإسرائيلية إلى مواقع في المنطقة العازلة في الجولان والقائمة بموجب اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974.
وتعلن اسرائيل مرارا تنفيذ عمليات برية وتوقيف أشخاص تشتبه بقيامهم بأنشطة "إرهابية" في الجنوب السوري.
- "ستبقى عدوا" -
في مبنى القصر العدلي التابع لمحافظة القنيطرة والواقع قرب بلدة الحميدية، والذي اتخذته القوات الإسرائيلية مقرا لأسابيع عقب سقوط نظام الأسد، ترك جنود إسرائيليون عبارات ورسائل باللغة العبرية على الجدران خلفهم.
يشير بعض هذه الكتابات إلى جدول دوامات الجنود، بينما تقول أخرى "حبيبتي انا مشتاق لك". من نافذة مبنى قصر العدل، تظهر المنازل المهدمة في الحميدية، من بينها منزل العلي.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير الأسبوع الماضي القوات الإسرائيلية بتهجير سكان قرى في جنوب سوريا قسرا ومصادرة منازل وتدميرها، مشيرة إلى أن التهجير القسري يعدّ "جريمة حرب".
وتجوب آليات تابعة لقوة الأمم المتحدة (يوندوف) المنطقة، مهمة عناصرها مراقبة تنفيذ اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974 الذي أبرم في أعقاب آخر حرب عربية-إسرائيلية. لكن وجودها لم يحل دون تقدّم القوات الإسرائيلية.
في بلدة خان أرنبة المجاورة، يروي رأفت الخطيب (38 عاما) وهو على دراجته النارية وخلفه زوجته وطفله، "شعرنا بالذعر حين شاهدنا لأول مرة جنودا إسرائيليين".
ويضيف "كانوا يوقفون الشباب ويدققون في أوراقهم الثبوتية".
داخل متجره للحلويات، يقول أيمن زيتون (47 عاما) إن حركة البيع والشراء تراجعت في الأسابيع الأخيرة.
ويشرح لوكالة فرانس برس "الخروقات الإسرائيلية اليومية توتّر الناس... نريد أن نجلس بأمان ونعيش باستقرار".
ويضيف "نطالب الحكومة التي ذهبت إلى الولايات المتحدة من أجل اتفاق أمني، أن تؤمّن حياة الناس"، مضيفا "إذا حدث اتفاق مع إسرائيل، فستبقى عدوا حتى تخرج من أراضينا".
ووصل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى نيويورك حيث من المقرر أن يلقي كلمة الأربعاء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتأتي زيارته إلى الولايات المتحدة بينما أكّدت السلطات السورية أنها تخوض مفاوضات مع إسرائيل هدفها التوصل إلى اتفاقات أمنية تخرج بموجبها إسرائيل من المناطق التي احتلتها منذ كانون الأول/ديسمبر 2024.
وتطالب اسرائيل من جهتها بأن يكون الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح. وأفاد مسؤول عسكري سوري الأسبوع الماضي وكالة فرانس برس بأن الجيش السوري سحب كلّ أسلحته الثقيلة من جنوب البلاد.
- "وقف الحرب" -
على الطريق بين دمشق والقنيطرة، شاهد مراسلو فرانس برس عشرات المواقع العسكرية الخالية من الجنود والسلاح الثقيل، وأخرى تحوّلت إلى ركام بفعل الغارات.
في مواقع عسكرية أخرى، بقيت دبابات مدمّرة وسيارات عسكرية متهالكة وشاحنات محترقة.
في محافظة القنيطرة، ينعدم تقريبا أي وجود عسكري للقوات الحكومية.
ويؤكد مصدر أمني سوري فضّل عدم الكشف عن هويته أن "الموجودين في القنيطرة هم جهاز الأمن الداخلي فقط، أما الجيش فقد سحب سلاحه الثقيل بالكامل، ولا وجود لوزارة الدفاع هنا".
وعلى الرغم من الغارات والتوغلات الاسرائيلية المتكررة، تتجنّب السلطات السورية الجديدة الردّ.
ويعتبر المسؤول في محافظة القنيطرة محمد السعيد أن "التوغّلات الإسرائيلية اليومية تعيق حركة الناس وتعرقل تنميتهم"، مشيرا إلى أن نحو مئة ألف شخص يسكنون قرى القنيطرة اليوم بعدما هجّر كثيرون إلى ريف دمشق.
ويقع مبنى المحافظة على حدود المدينة التي بقيت مدمّرة الى حدّ بعيد منذ انسحاب القوات الإسرائيلية التي احتلتها من 1967 إلى 1974.
ويقول السعيد "بعد 14 سنة من الحرب والدمار، يبحث الناس عن الأمان والاستقرار أولوية"، موضحا أن "السلام بالنسبة لهم يعني وقف حالة الحرب، لا التطبيع. أي اتفاق بلا إلزام للإسرائيليين لن يكون له معنى".
AFP