بين غابات بغداد وغابات أربيل… حكايتان متناقضتان عن الخُضرة والاهتمام
أربيل (كوردستان24)- في بغداد، كان الحلم أن تنهض “غابة” على مساحة 12 مليون متر مربع، تُزرع فيها مليون شجرة لتعيد إلى العاصمة بعضًا من أنفاسها الخضراء، غير أن الواقع اليوم مختلف تمامًا.
المكان الذي وُضع فيه حجر الأساس قبل أكثر من ستة أشهر في قاعدة الرشيد العسكرية القديمة لم يتحول إلى غابة، بل إلى أرضٍ يابسةٍ قاحلة. توقفت الأعمال عدة مرات، وجفّت الأشجار القليلة التي زُرعت في البداية، بينما تعيش آلاف العائلات في محيط المشروع بين غبارٍ وأحلامٍ مؤجلة.
يقول المواطن حسن عباس: "كانت هذه المنطقة من أجمل مناطق بغداد، كنا نستظل تحت أشجارها في الصيف، أما الآن فلم تبقَ سوى جذوع جافة لا تقدر حتى على خلق ظلٍ لنفسها".
ويضيف عامر آشور: "كل عام نرى مزيدًا من الأشجار تُقطع، والمساحات الخضراء تختفي تدريجيًا من بغداد".
رغم غياب الإحصاءات الرسمية، إلا أن المشاهدات الميدانية تؤكد أن نسبة المساحات الخضراء في العاصمة تراجعت إلى أدنى مستوياتها، في وقتٍ تتزايد فيه الأبنية والخرسانة على حساب الطبيعة.
في المقابل… أربيل تغرس الأمل بالأخضر
أما في أربيل، فالمشهد مختلف تمامًا. خلال السنوات الست الماضية، ارتفعت نسبة المساحات الخضراء في إقليم كوردستان من 15% إلى 18% بفضل المشاريع الحكومية المستمرة، ومن المتوقع أن تتجاوز النسبة 25% بعد اكتمال مشروع "الحزام الأخضر" الذي يُعد من أضخم المشاريع البيئية في الإقليم.
الحدائق العامة أصبحت متنفسًا يوميًا للمواطنين، مثل حديقة سامي عبدالرحمن التي تحولت إلى واحةٍ خضراء في قلب المدينة.
يقول بختيار سليم، وهو أحد رواد الحديقة: "آتي إلى هنا يوميًا بعد أن أوصل أطفالي إلى المدرسة. أمارس الرياضة وأتنفس الهواء النقي. نحتاج لمزيد من هذه المساحات في كل المدن، فالحدائق لا تقل أهمية عن الشوارع".
بدورها تعمل حكومة الإقليم على إنشاء خمس حدائق جديدة في أربيل بمساحة 198 دونمًا، يُزرع فيها أكثر من 35 ألف شجرة، إلى جانب مشروع الحزام الأخضر الذي سيشمل غرس سبعة ملايين شجرة في أطراف المدينة.
يقول المواطن جلال محمود: "أزور الحديقة في الصباح الباكر ثلاث أو أربع مرات أسبوعيًا. هذه الأماكن تمنحنا طاقة إيجابية وتساعدنا على ممارسة الرياضة والابتعاد عن ضجيج المدينة".
البيئة أولوية في خطط حكومة الإقليم
وتأتي هذه الجهود في إطار سياسةٍ أوسع تتبناها حكومة إقليم كوردستان لحماية البيئة وتحسين جودة الحياة. فبالتوازي مع مشاريع التشجير، تعمل الحكومة ضمن مشروع “روناكي” للطاقة المستمرة على مدار 24 ساعة على إيقاف جميع المولدات الكهربائية التي يتجاوز عددها سبعة آلاف مولدة بحلول نهاية عام 2026، بهدف تقليل الانبعاثات وتحسين جودة الهواء في المدن.
بين بغداد التي تنتظر أن تُبعث غابتها من رماد الجفاف، وأربيل التي تواصل غرس الأمل بخضرتها، تتجلى فوارق الرؤية والإدارة البيئية في العراق…
فالأولى ما زالت تبحث عن ظلٍّ مفقود، والثانية تصنعه شجرةً تلو أخرى.
بغداد – أربيل / كوردستان24