الفلوجة: حي "الجبيل" صرخة منسية في مدينة أنهكتها الحروب والإهمال

أربيل (كوردستان24)- على الرغم من مرور سنوات طويلة على انتهاء المعارك، لا تزال أحياء في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار تعيش تحت وطأة الإهمال ونقص الخدمات الأساسية. حي "الجبيل" هو أحد هذه الأحياء، حيث يعاني سكانه منذ ما يقرب من 40 عامًا من غياب البنية التحتية، فالشوارع غير معبدة، والنفايات متراكمة، وشبكات الصرف الصحي شبه معدومة، وهو مشهد يتكرر في أجزاء واسعة من مدن العراق.

معاناة تمتد لعقود

"أمضينا 40 عامًا في هذا الحي، ولم نرَ مشروعًا لتعبيد الشوارع أو إنشاء مجاري الصرف الصحي"، بهذه الكلمات الممزوجة بالأسى، تروي السيدة المسنة نجية محمد حكايتها. هي تعيش مع ابنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويديران معًا متجرًا صغيرًا هو مصدر رزقهما الوحيد. تضيف نجية: "لا خدمات لدينا إطلاقًا، حالنا كحال باقي الناس هنا. طرقنا أبواب المسؤولين والمختار، ولكن لم يفعلوا لنا شيئًا". ومع اقتراب فصل الشتاء، يزداد قلقها، فالأمطار تحول الحي إلى برك من الوحل والفيضانات، وتتضرع إلى الله أن يتم تعبيد الطرق قبل هطول المطر.

هذه المعاناة يؤكدها المواطن جبار العيساوي، الذي يقول: "في الشتاء، لا يستطيع أحد المرور في هذه المنطقة، كلها تتحول إلى فيضانات، والمياه تدخل إلى بيوتنا". ويضيف أن الظروف البيئية السيئة تسببت في انتشار الأمراض بين السكان، "أطفالنا أصيبوا بأمراض الصدر بسبب هذا الوضع. نناشد الحكومة أن تجد حلاً لمشكلتنا قبل حلول الشتاء".

آثار الحرب التي لم تندمل

لم يكن الإهمال الخدمي هو الجرح الوحيد الذي عانى منه سكان الفلوجة. كانت هذه المنطقة يومًا ما معقلًا لمسلحي تنظيم "داعش"، وبعد مرور تسع سنوات على تحريرها، لا تزال آثار الحرب شاهدة على الجدران وفي الشوارع.

الحاج ساري هو أحد ضحايا تلك الحرب، فمنزله الذي بناه بيده دُمر بالكامل خلال المعارك عام 2017. يقول بحسرة: "لم يكن لدي مال لإعادة بنائه، دُمر بالكامل بسبب القذائف والصواريخ". ورغم مرور كل هذه السنوات، لم يحصل الحاج ساري على أي تعويض، ليضطر للعيش مع أفراد عائلته الثمانية في خيمة.

أمراض تفتك بالأهالي

الغبار المتصاعد من الشوارع الترابية أصبح كابوسًا يوميًا يؤرق السكان، مسببًا أمراضًا خطيرة. يؤكد الشيخ طه صياح، أحد وجهاء المنطقة، هذه الحقيقة قائلًا: "نعم، أطفالنا يعانون من أمراض الربو والتهاب الصدر وضيق التنفس، وكذلك الرجال والنساء. راجعنا الأطباء وأخبرونا أن السبب هو البيئة الملوثة التي نعيش فيها".

موازنات ترتفع والخدمات تتراجع

المفارقة تكمن في أن معاناة أهالي الفلوجة تتفاقم في وقت ترتفع فيه موازنات العراق المالية. ففي الموازنة العامة لعام 2023، تم تخصيص 492 مليار دينار لمشاريع الاستثمار في محافظة الأنبار، لكن هذا المبلغ انخفض في موازنة 2024 إلى 72 مليار دينار فقط.

ويبقى السؤال الذي يطرحه سكان هذه المناطق المنكوبة: بعد مرور أكثر من 20 عامًا على عملية تحرير العراق وبناء "عراق جديد"، متى سيحصلون على أبسط حقوقهم في الخدمات الأساسية كالطرق المعبدة وشبكات الصرف الصحي؟ فمع كل عام ترتفع فيه أرقام الموازنة العامة، يتراجع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، لتبقى معاناتهم مستمرة إلى أجل غير مسمى.

تقریر: دیلان بارزان – كوردستان24 - الفلوجة

 
Fly Erbil Advertisment