رغم التهجير والتحديات.. كورد ديالى يعودون للمشاركة في الانتخابات وتثبيت هويتهم

أربيل (كوردستان24)- في مشهد يعكس إصراراً سياسياً وتمسكاً بالحقوق، عادت عائلات كوردية نازحة إلى مناطقها الأصلية في محافظة ديالى، ليس فقط للمشاركة في الانتخابات، بل لقيادة الحملات الانتخابية بأنفسهم، في رسالة واضحة على رفضهم للواقع الديموغرافي والسياسي الذي فُرض عليهم.
نوري محمد، أحد المواطنين الذين نزحوا عن مناطقهم في ديالى لسنوات، عاد مؤخراً إلى مسقط رأسه. لم تكن عودته بهدف الاستقرار فقط، بل لإطلاق حملة لدعم مرشحة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، نازك أحمد محمد فرج. وبمبادرة شخصية، بدأ نوري ورفاقه بتزيين الشوارع وتعليق اللافتات الانتخابية، مؤكدين أن هدفهم هو إيصال مرشح قوي إلى بغداد للدفاع عن حقوقهم.
يقول نوري محمد في حديثه لـكوردستان24: "من الضروري جداً أن يثبت الكورد هنا وجودهم، وأن يكون لهم صوتهم ولونهم وحصتهم. لا يمكن أن تراقب وضعك من بعيد. هذه أرضنا وممتلكاتنا وبيوتنا وقرانا. يجب أن نعود ونُظهر صوتنا الحقيقي يوم الاقتراع."
تعكس هذه المبادرات حالة من التحدي للظروف التي أعقبت أحداث 16 أكتوبر 2017، والتي أدت إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة وتهميش للوجود الكوردي في المناصب الإدارية والأمنية، مما دفع بعشرات القرى الكوردية إلى الإخلاء بسبب تدهور الوضع الأمني.
ويضيف مواطن آخر، محمد محمود: "بعد أحداث 16 أكتوبر، أصبح الوجود الكوردي أقلية هنا. نناشد أهلنا الشرفاء الذين لم يعودوا بعد، أن يرجعوا في يوم الانتخابات للإدلاء بأصواتهم. يجب أن نصوّت لمرشح وممثل حقيقي يذهب إلى البرلمان العراقي ويدافع بقوة عن حقوقنا."
على الرغم من محاولات الحكومة العراقية المستمرة لتقليص نسبة الكورد في المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم، يصر المواطنون الكورد على العودة في يوم الانتخابات لإرسال ممثليهم الحقيقيين إلى البرلمان العراقي.

مشهد انتخابي تنافسي
تشهد محافظة ديالى تنافساً كبيراً بين 18 كياناً وتحالفاً سياسياً، يمثلهم 363 مرشحاً يتنافسون على 14 مقعداً برلمانياً مخصصاً للمحافظة، منها 10 مقاعد للرجال و4 للنساء. ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت في المحافظة مليوناً و52 ألفاً و78 ناخباً.
في خضم هذا السباق، تبرز جهود المواطنين الكورد كدليل على وعيهم بأهمية المشاركة السياسية كوسيلة لاستعادة الحقوق وتثبيت الوجود في أرض الآباء والأجداد.
بالتأكيد، إليك الخلفية التاريخية والسياسية محررة بأسلوب فني لتكون بمثابة تقرير صحفي عميق:
تاريخيًا، لم تكن محافظة ديالى، وخاصة قضاء خانقين، مجرد منطقة جغرافية، بل كانت نسيجًا ديموغرافيًا متجذرًا. الكورد، وتحديدًا الكورد الفيليون، شكلوا الأغلبية الساحقة، ورسموا ملامح وهوية المنطقة. الأرقام الرسمية القديمة تحكي جزءًا من الحقيقة؛ ففي إحصاء عام 1947، كان 80% من سكان خانقين كوردا. ورغم كل المحاولات، ظلوا يشكلون الأغلبية بنسبة تقارب 75% في إحصاء 1957. لم تكن خانقين وحدها، بل امتد الوجود الكوردي المؤثر ليشمل مندلي وجلولاء والسعدية، مكونًا حزامًا من الثقافة والتاريخ الكردي.
مع صعود نظام البعث في سبعينيات القرن الماضي، هبّت على هذه المناطق عواصف سياسة "التعريب" الممنهجة. لم يكن الهدف إداريًا فحسب، بل كان يهدف إلى اقتلاع الهوية من جذورها. بدأت آلة التهجير القسري عملها، فطُردت آلاف العائلات الكوردية الفيلية، وسُحبت منهم جنسيتهم العراقية، وصودرت ممتلكاتهم كأنهم لم يكونوا يومًا جزءًا من هذه الأرض. في المقابل، فُتحت الأبواب أمام عائلات عربية من مناطق أخرى، ومُنحت الأراضي والامتيازات لترسيخ واقع ديموغرافي جديد. لقد كان تغييرًا قسريًا لنسيج الأرض، وشرخًا عميقًا في ذاكرة أهلها.
بعد عام 2003، تنفست المنطقة الصعداء. مع سقوط النظام السابق، بدأت رحلة العودة المؤلمة والمفعمة بالأمل. آلاف العائلات الكوردية المهجرة عادت إلى ديارها، وبدأت خانقين تستعيد أنفاسها الكوردية. وبتواجد قوات البيشمركة والإدارة الكوردية، ساد شعور بالأمان والاستقرار النسبي، وبدأ السكان في إعادة بناء ما دمرته عقود من القمع.
لكن هذا الأمل لم يدم طويلاً. جاءت أحداث 16 أكتوبر 2017 بعد عملية الاستفتاء والتي صوت فيها الشعب الكوردي بالاغلبية بأن يكون للكورد كيان خاص بهم، وكانت هذه الاحداث كـنقطة تحول مأساوية. مع انسحاب قوات البيشمركة، انفتح فراغ أمني قاتل استغلته فلول التنظيمات الإرهابية، وعادت المخاوف لتسيطر على المشهد. موجة نزوح جديدة بدأت، وتراجع النفوذ الكوردي في الإدارة والأمن، ليحل محله واقع جديد أثار قلق السكان من عودة شبح سياسات التغيير الديموغرافي.