كركوك على صفيح ساخن.. إهمال خدمي وتغيير ديموغرافي يثيران غضب الكورد قبيل الانتخابات

أربيل (كوردستان24)- في جولة ميدانية تكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم، يسلط تقرير مصور ضمن برنامج (ج باسه – ما الخبر) الذي يبث على شاشة كوردستان24، يسلط الضوء على الاوضاع الخدمية في قضاء الدبس وناحية بردي (آلتون كوبري) في محافظة كركوك، والواقع المرير الذي يواجهه السكان، ويتمثل في تدهور كارثي للخدمات الأساسية، واستمرار ممنهج لسياسات التغيير الديموغرافي، وسط شعور متزايد بالتهميش وفقدان الهوية قبيل الاستحقاق الانتخابي المقبل.

تبدأ مشاهد التقرير من مداخل المدن، التي تحولت إلى مكبات مفتوحة للنفايات والأنقاض. يعلق مقدم التقرير بسخرية مريرة: "ما شاء الله، أينما تضع يدك تجد قمامة ومخلفات". هذا المشهد ليس استثنائياً، بل هو السمة الغالبة على معظم شوارع وأحياء المنطقة، حيث الطرق غير معبدة ومليئة بالحفر، والبنية التحتية شبه منعدمة، مما يرسم صورة قاتمة تتناقض بشكل صارخ مع الثروات الطبيعية الهائلة التي تزخر بها هذه الأرض.

سياسة التعريب المستمرة: "الغريب ينعم بالخير، وصاحب الأرض يُهجّر"

أكثر ما يثير قلق واستياء السكان هو ما يصفونه بـ "سياسة التعريب الممنهجة". يتحدث مواطنون بمرارة عن استقدام عائلات عربية من مناطق أخرى وتوطينها في قراهم ومناطقهم. يقول أحد المواطنين بوضوح: "كانوا يأتون بالعرب، يساعدونهم، يمنحونهم الأراضي والمال". هذه السياسة، بحسب الأهالي، ليست جديدة، بل هي امتداد لممارسات الأنظمة السابقة، لكنها تسارعت في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تغيير جذري في التركيبة السكانية. تشير التقديرات إلى أن نسبة العرب في بعض المناطق ارتفعت لتتجاوز 60%، بينما تراجعت نسبة السكان الكرد الأصليين إلى حوالي 30%، حيث يضطر الكثير منهم إلى الهجرة بسبب التضييق وانعدام فرص العمل والخدمات.

حرب الرموز: إزالة صور شهداء البيشمركة ورفع صور قادة الحشد

لا يقتصر الأمر على التغيير الديموغرافي، بل يمتد إلى حرب رمزية تهدف إلى طمس الهوية الكوردية للمنطقة. يوثق التقرير إزالة صور شهداء البيشمركة، الذين ضحوا بأرواحهم في الدفاع عن هذه الأراضي، من الساحات العامة والشوارع. وفي نفس الأماكن، تم رفع صور كبيرة لقادة في فصائل الحشد الشعبي. يرى السكان في هذه الخطوة رسالة واضحة بفرض سلطة جديدة وتغييباً متعمداً لتاريخهم وتضحياتهم، مما يزيد من شعورهم بالغربة في أرضهم.

مفارقة اقتصادية: أرض النفط وسكان محرومون

تُظهر اللقطات الجوية حقول النفط الشاسعة والموارد الطبيعية التي تتمتع بها منطقة الدبس. ومع ذلك، يؤكد التقرير أن كل هذه الثروات تقع تحت سيطرة الحكومة الاتحادية، بينما يعيش السكان الكورد حالة من الحرمان، حيث لا يستفيدون من عائدات هذه الموارد في تحسين واقعهم الخدمي والمعيشي. هذه المفارقة تزيد من الشعور بالظلم، حيث يرون خيرات أرضهم تذهب بعيداً بينما هم يغرقون في الإهمال والفقر.

الانتخابات.. أمل في استعادة الحقوق

في ظل هذا الواقع المعقد، يتجه السكان بأنظارهم نحو الانتخابات القادمة، معتبرين إياها فرصة حاسمة لإحداث تغيير. يُظهر التقرير انتشار لافتات مرشحي الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي يُنظر إليه كقوة سياسية قادرة على الدفاع عن حقوق الأكراد في بغداد.

يتحدث المرشح كامل عبدالله الصالحي بثقة عن أن "عودة الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى محافظة كركوك ستُحدث تغييراً في الانتخابات". ويؤكد أن الحزب يأتي هذه المرة بزخم كبير، مدعوماً من قبل المواطنين المستعدين للمشاركة بقوة في التصويت. ويضيف صالحي أن المواطنين الأكراد يشعرون بالتهميش في كافة مفاصل الدولة، من التعيينات في شركة نفط الشمال التي لا تتجاوز نسبة الأكراد فيها 2% من أصل 14,000 موظف، إلى الإدارة المحلية، مما يجعل استعادة المقاعد البرلمانية ضرورة ملحة.

بدوره، يرى المرشح زوزك لطيف أن غياب الحزب الديمقراطي الكوردستاني عن المشهد السياسي في كركوك خلال السنوات الماضية كان سبباً رئيسياً في تدهور الأوضاع. ويؤكد أن "الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو رمز العزة والكرامة لكوردستان وللفرد الكردي"، مشدداً على أن الحزب لا يساوم على هوية الأمة وأرضها ولغتها وثقافتها، على عكس بعض الأحزاب الأخرى التي قد تضع مصالحها الخاصة فوق المصلحة القومية.

يختتم التقرير بلقاءات مع مواطنين بسطاء يعبرون عن عزمهم القاطع على التصويت. يقول أحد كبار السن بحماس: "سأصوّت، وبدلاً من صوت واحد، سأجلب 500 صوت معي!". هذه الكلمات تعكس حجم الإرادة الشعبية للتغيير، ورغبتهم في إيصال ممثلين حقيقيين يدافعون عن حقوقهم المسلوبة ويعملون على تحسين ظروف حياتهم، معتبرين أن "هذه المعركة لم تعد معركة سلاح، بل معركة قلم وصناديق اقتراع".

يبقى السؤال معلقاً: هل ستنجح الانتخابات في إعادة التوازن إلى كركوك وتلبية طموحات سكانها في حياة كريمة تحفظ هويتهم وحقوقهم؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.

 
Fly Erbil Advertisment