الرئيس بارزاني: نشارك في الانتخابات لإصلاح الدولة لا لزيادة المقاعد.. وكوردستان تتقدم بالإرادة فيما تغرق بغداد بالفوضى
أربيل (كوردستان 24)- أجرى الرئيس مسعود بارزاني، اليوم الخميس 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، لقاءً خاصاً مع قناة شمس، تناول فيه التطورات التي شهدها إقليم كوردستان ورؤيته لمستقبله، كما تطرق إلى الوضع السياسي في العراق والانتخابات البرلمانية المقبلة في البلاد.
وأكد الرئيس بارزاني شعوره بالفخر والاعتزاز لما وصلت إليه كوردستان من تطور، مشيراً إلى أنه يشكر الله على هذه النعمة وما تفضل به على شعبه.
وحول رؤيته لمستقبل إقليم كوردستان، قال الرئيس بارزاني: دائماً دع الأفعال تتحدث وليس الكلام. إقليم كوردستان لديه طموحات كبيرة جداً، وما تحقق حتى الآن هو موضع فخر واعتزاز، ونتطلع إلى تحقيق المزيد من البناء والإعمار والتنمية في كافة المجالات، وهناك خطط تعمل حكومة إقليم كوردستان على تنفيذها بمراحل.
وفيما يخص رسالته للمواطنين في باقي مناطق العراق، أشار الرئيس بارزاني إلى أن العديد من الأخوة العرب من وسط وجنوب العراق يأتون إلى كوردستان ويشعرون بالتقدم الذي تحقق فيها، حتى أكثر من بعض أبناء إقليم كوردستان أنفسهم، مضيفاً: نتمنى أن نرى نفس التقدم والتطور في جميع مناطق العراق، وما تحقق في كوردستان هو موضع تقدير للكورد والعرب أيضاً.
في كوردستان إرادة وتخطيط بينما في بغداد فوضى وغياب للإدارة السليمة
وفي جانبٍ آخر من حديثه، أكد الرئيس بارزاني أن العوائق التي تمنع تحقيق ما تحقق في إقليم كوردستان بباقي مناطق العراق واضحة جداً، مشيراً إلى أنه "في كوردستان توجد إرادة وتخطيط وتنفيذ دقيق، وقيادة واضحة للعملية العمرانية، بينما في بغداد هناك فوضى مع الأسف، ومشاريع متلكئة ومتعثرة، وكثير منها يُستغل للإثراء بدلاً من الإعمار"، مضيفاً أن المشكلة تكمن في "غياب التخطيط السليم، والإدارة الرشيدة، والإرادة الحقيقية للتطوير".
وفي رده على سؤال حول إمكانية لعبه دوراً على مستوى العراق بعد التجارب السياسية السابقة، قال الرئيس بارزاني: بعد سقوط نظام البعث في عام 2003 بذلنا جهوداً كبيرة لبناء عراق جديد، وقضيت فترات طويلة في بغداد، وعملنا بجد وإخلاص لخدمة كل العراق، لكن بمرور الزمن لاحظنا أن رغبتنا كانت تصطدم بعوائق ورغبات مضادة، حتى وصلنا إلى نقطة شعرنا فيها وكأن الكورد وإقليم كوردستان غير مرغوب بهم في بغداد، لذلك قررنا أن نعزل أنفسنا عن تلك الأجواء، ولم يكن ذلك برغبة مني، بل بفعل الظروف.
وحول الانتخابات البرلمانية العراقية المرتقبة، أوضح الرئيس بارزاني أن قيادة إقليم كوردستان كانت قد فكرت في مقاطعتها بسبب القانون الانتخابي الذي وصفه بـ"الجائر وغير العادل"، قائلاً: القانون الحالي محدد النتائج مسبقاً تقريباً، إذ تم تحديد مقاعد المحافظات بناءً على البطاقة التموينية، التي تُعد أساس الفساد، وبالتالي فإن توزيع المقاعد غير حقيقي.
وتابع قائلاً: لكن لاحظنا أن هناك الكثير من الإخوة والأصدقاء في بغداد من الشيعة والسنة توصلوا إلى قناعة بأن هذا القانون غير صالح، وأن الوضع الحالي لا يمكن أن يحقق أي تقدم أو تطور، ولذلك قررنا المشاركة في الانتخابات، لنرى ما إذا كان بالإمكان بناء تحالفات مع القوى الأصيلة التي ناضلت وتعبت من أجل العراق.
وأشار الرئيس بارزاني إلى أن المشاركة في الانتخابات تأتي بهدف إعادة العملية السياسية في العراق إلى مسارها الصحيح، وتعديل الكثير من القوانين، ليس فقط قانون الانتخابات، بل أيضاً القوانين الأخرى الجائرة، مضيفاً: ما زالت الحكومة الاتحادية تعمل وفق قوانين قديمة، ويجب معالجة هذه الأمور. وإذا وجدنا مجالاً للإصلاح سندخل العملية السياسية بقوة، أما إذا لم نجد، فسيكون لكل حادث حديث.
مشاركتنا في الانتخابات ليست من أجل المقاعد بل لإصلاح الوضع السياسي في العراق
وقال الرئيس بارزاني إن المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة تأتي بهدف المساهمة في إصلاح العملية السياسية، وليس سعياً وراء المقاعد البرلمانية، مشيراً إلى أن المشاركة جاءت بعد تلقي إشارات إيجابية من قوى عراقية أصيلة في بغداد عبّرت عن استعدادها لتشكيل تحالف جديد بعد الانتخابات لإعادة العملية السياسية إلى مسارها الصحيح.
وأوضح الرئيس بارزاني أن المشاركة ليست من أجل زيادة أو نقصان عدد المقاعد، لأن المقاعد شبه ثابتة، وإنما هي محاولة للتعاون مع القوى الأخرى الراغبة في الإصلاح، من أجل تحقيق ما يصبو إليه العراقيون جميعاً.
وعن سبب عدم تحالف الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع أي طرف سياسي في بغداد قبل الانتخابات، أوضح الرئيس بارزاني أن التحالفات تُحدد بعد الانتخابات وليس قبلها، مضيفاً أن أحد أهداف خوض الانتخابات بشكل مستقل هو إظهار حجم وقوة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الحقيقية.
وفيما يتعلق بإصرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني على تحقيق مليون صوت في الانتخابات، أشار الرئيس بارزاني إلى أن الحزب حصل في الانتخابات السابقة على أكثر من 800 ألف صوت من دون أصوات كركوك ونينوى وبغداد وديالى، مؤكداً أن إضافة هذه المحافظات ستجعل العدد يتجاوز المليون صوت، وهو الهدف الذي نطمح إلى تحقيقه.
وتحدث الرئيس بارزاني عن ضرورة تعديل قانون الانتخابات في العراق، مبيناً أن اعتماد الدائرة الواحدة هو الخيار الأنسب لضمان العدالة في التمثيل. وقال: في نظام الدائرة الواحدة لا يُظلم أي طرف، وكل جهة تحصل على حجمها الحقيقي، كما أن التفاوت بين المحافظات غير منطقي؛ فمقعد في أربيل يحتاج إلى 30 أو 40 ألف صوت، بينما في محافظات جنوبية يكفي ألفان أو ثلاثة آلاف فقط، داعياً إلى إجراء إحصاء سكاني دقيق لتحديد المقاعد بناءً على عدد السكان وليس على البطاقة التموينية.
وحول مقاطعة بعض القوى العراقية للانتخابات، وعلى رأسها التيار الصدري، عبّر الرئيس بارزاني عن أسفه لذلك قائلاً: كنت أتمنى أن يشارك التيار الصدري والسيد مقتدى الصدر في الانتخابات، لأن مشاركتهم كانت ستكون أفضل للمشهد السياسي العراقي، لكن هذا قرارهم ونحن نحترمه.
وتطرق الرئيس بارزاني إلى دعوته مرشحي الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى تمثيل كل العراق وليس كوردستان فقط، موضحاً أن هذه ليست دعوة جديدة، بل هي مبدأ ثابت لدينا، مضيفاً: استقبلت وفوداً من محافظات جنوبية كالمثنى والكوت والعمارة والديوانية والبصرة، وسمعت منهم عن معاناتهم في الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، ومن واجبنا أن ندافع عنهم كما ندافع عن أبناء أربيل والسليمانية وكركوك ودهوك. لذلك أوصيت مرشحينا بأن يعتبروا أنفسهم ممثلين لكل العراقيين.
ثقافة رفض الآخر ما زالت موجودة لدى بعض الأطراف في العراق
أكد الرئيس مسعود بارزاني أن العلاقة بين إقليم كوردستان وبغداد ما زالت تعاني من إشكاليات عميقة تعود إلى غياب ثقافة تقبّل الآخر، مشيراً إلى أن هذه الثقافة هي التي قادت في الماضي إلى الكيمياوي والأنفال وتدمير القرى الكوردية.
وقال الرئيس بارزاني، إنه لا يهتم بما إذا كانت بغداد تعامل الكورد بالمثل أم لا، موضحاً: ضُربنا بالكيمياوي وتعرضنا لعمليات الأنفال التي استهدفت إبادتنا، ومع ذلك تفاوضنا وسامحنا الجنود الذين ارتكبوا الجرائم بحق شعبنا. لنا أعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولهم أعرافهم وتقاليدهم.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان يقارن بين نظام صدام حسين والحكومات التي تعاقبت بعد 2003، قال الرئيس بارزاني: لا، صدام حسين استخدم السلاح الكيمياوي ونفذ عمليات الأنفال، لكن الذين كنا حلفاءهم وناضلنا معهم لم يعاملوا الشعب الكوردي بما يستحق، ولم يؤدوا واجبهم تجاهه، بل آذونا أيضاً. وقطع أرزاق الشعب الكوردي عملية قاسية جداً.
وأشار الرئيس بارزاني إلى أن المشكلة لا تتعلق بطائفة معينة، سواء شيعية أو سنية، بل تتجذر في "ثقافة رفض الآخر"، موضحاً: هذه الثقافة التي أدت إلى الكيمياوي والأنفال ما زالت موجودة لدى بعض من السنة والشيعة. والآن الإطار التنسيقي هو الذي يقود الدولة، وقسم منه يتحمل المسؤولية.
وحذر الرئيس بارزاني من استمرار هذه السياسات، قائلاً: يجب ألا تستمر، لأن استمرارها يجعل العراق أول المتضررين. ومن يظن أن الحكم سيبقى له إلى الأبد فهو واهم.
وفيما إذا وصلت العلاقة بين كوردستان وبعض الأطراف في بغداد إلى مستوى العداء، أوضح الرئيس بارزاني أن الأمر لا يشمل جميع مكونات الإطار التنسيقي، مضيفاً: في الإطار أناس ناضلنا سوية ونحترمهم حتى مع اختلافنا، لكن هناك أطرافاً عداؤها أكثر من مجرد خلاف سياسي، حاولوا بشتى الوسائل إنهاء الإقليم وضربه، ولولا ذلك لفعلوا أكثر.
إقليم كوردستان لن يركع وسنتمسك بحقوقنا الدستورية مهما كانت التحديات
أكد الرئيس مسعود بارزاني أن إقليم كوردستان سيصمد في مواجهة أي ضغوط سياسية أو اقتصادية، مشدداً على أن الإقليم "لن يركع ولن يساوم على حقوقه"، وأن الدستور يجب أن يكون المرجع في العلاقة بين أربيل وبغداد.
وقال الرئيس بارزاني، إن الشعب الكوردي اعتاد عبر التاريخ مواجهة الاعتداءات والمحن، مضيفاً: الشعب الكوردي اكتسب مناعة من كثرة ما واجه من ظلم، وسيصمد الإقليم ويعاني، لكنه لن يركع.
وأوضح أن لدى إقليم كوردستان القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكنه يحتاج إلى بعض الوقت، قائلاً: إقليم كوردستان سيصمد ولن يقبل بأقل من استحقاقه الدستوري. بيننا دستور فليكن هو الحَكَم، وإن طالبنا بأكثر فليُرفض، لكننا لن نقبل بأقل من حقوقنا. وأضاف: إذا تركنا الدستور وانتقلنا إلى المزاج الشخصي وفرض الإرادة، فمن يرفض الفيدرالية نرفض معه الدكتاتورية، وليجرِ ما يجري.
ورداً على الانتقادات التي تتحدث عن رفض إقليم كوردستان لقرارات المحكمة الاتحادية رغم التمسك بالدستور، أوضح الرئيس بارزاني: لا أحد تعب على الدستور مثلي، قضيت شهرين في بغداد أثناء كتابته، وتعرضنا خلالها لـ36 هجوماً صاروخياً. الدستور ليس خالياً من العيوب، لكنه من أفضل الدساتير في المنطقة، ويكفي ما فيه من إيجابيات لتأييده.
وتابع قائلاً: لكن المحكمة الاتحادية ليست محكمة دستورية حقيقية، بل تعود إلى زمن بريمر، وأصبحت بقراراتها مسيّسة ومتحيزة وتستهدف إقليم كوردستان، لذلك رفضنا قراراتها. المرجع الدستوري يجب أن يكون مجلس الاتحاد، ويجب تشكيله في المرحلة المقبلة.
وفي حديثه عن المشهد السياسي العراقي، أشار الرئيس بارزاني إلى أن العملية السياسية اليوم تدار وسط فوضى وخلط كبير، مضيفاً: لدينا دويلات داخل الدولة، وكل طرف يعتبر نفسه دولة مستقلة، حتى باتت هذه الكيانات هي التي تقرر للبرلمان والدستور والحكومة، وهذا هو الواقع المؤسف.
وعلّق الرئيس بارزاني على تصريحات رئيس الوزراء الاتحادي بشأن ربط سلاح الفصائل بوجود قوات التحالف في العراق، قائلاً: في عام 2011 عندما نوقش موضوع انسحاب القوات الأمريكية، حذّرنا من أن خروجها دون اتفاق سيؤدي إلى كارثة. سألت حينها وزيري الدفاع والداخلية: هل لديكم قوة تحمي البلد؟ أجابا بالنفي. وقلت: إذن نحن بحاجة إلى هذه القوات. وبعد خروجها جاء داعش.
وأضاف: الآن السيناريو نفسه يتكرر، فانسحاب قوات التحالف سيُمهّد لعودة داعش، لذلك يجب أن يُحصر السلاح ضمن إطار الدولة والدستور والمنظومة الدفاعية، لا أن تكون الفصائل أعلى من الحكومة.
كركوك كوردستانية ولن نقبل المساس بها.. والمادة 140 ستُنفَّذ بحذافيرها
وفي معرض حديثه عن كركوك، أكد الرئيس بارزاني أن "كركوك كوردستانية، مدينةٌ عراقيةٌ بهويةٍ كوردستانية، وهذا غير قابلٍ للمساومة"، مشدداً على أن المادة 140 من الدستور لا تُنسى بالتقادُم، وهي حيةٌ وتبقى حتى تُنفَّذ بحذافيرها: تطبيع، إحصاء، استفتاء"، مضيفاً: "لا نطلب أكثر من ذلك. أمّا احتلال كركوك أو اغتصابها أو تغيير ديموغرافيتها فمستحيل، ولو نجح مؤقتاً، فلا بد أن يعود الحق إلى أصحابه".
وحول ما يُتداول عن احتمال عدم منح رئاسة الجمهورية للكورد في المرحلة المقبلة، قال الرئيس بارزاني: يمكن أن يكون هناك شخصٌ سنّيٌّ (ضارب دالغة)، كما نقول بالعراق، على رئاسة الجمهورية، دعونا نرى.
وعن إمكانية قبول الكورد بمنصب رئاسة مجلس النواب مقابل منح رئاسة الجمهورية للسنّة، أوضح الرئيس بارزاني أن المنصب معنويٌّ ورمزيٌّ في الحقيقة، وبعد الأنفال والقصف الكيمياوي وتدمير آلاف القرى، كان أن يصبح كورديٌّ رئيساً للجمهورية أمراً معنوياً. من حيث الصلاحيات والتأثير، رئيس البرلمان أهم من رئيس الجمهورية، والموضوع ليس شخصياً، بل صار عرفاً أنه استحقاقٌ للكورد، والقبول أو الرفض يعتمد على الأطراف الأخرى وعلى موقف الكورد.
كما كشف الرئيس بارزاني أنه رُشّح سابقاً لتسلّم منصب رئاسة الجمهورية لكنه رفض، قائلاً: ليس مكاني، فبهذه الصلاحيات وبهذا الوضع لا أستطيع، المنصب بروتوكوليٌّ ومعنويٌّ أكثر.
وفي سياق حديثه عن التعايش في إقليم كوردستان، أكد الرئيس بارزاني أن هذا التعايش بين المكونات ثقافةٌ ورثناها من أجدادنا، نفتخر بها ونعتزّ ونحافظ عليها، ونعدّها من أوْلى أولوياتنا، وسندافع عنها بكلّ ما أوتينا من قوة.
وأشار إلى أن ما يُقال عن عدم تسجيل أي جريمة تتعلق بالتعايش "يبدو دقيقاً"، موضحاً: لا أستطيع الجزم 100%، لكن إلى الآن لم أسمع بوقوع جريمةٍ بسبب الدين أو المذهب، مضيفاً أن ذلك "نابع من ثقافة الشعب الكوردي نفسه، وليس نتيجة قرارات رسمية.
وختم الرئيس بارزاني حديثه بالإشادة بصفات الشعب الكوردي، قائلاً: شعبٌ مضياف، مسامح، نقيّ القلب. ما تعرّض له عبر التاريخ كان كفيلاً بأن يجعله مختلفاً، لكن بعد انتفاضة 1991 ازددت فخراً بالانتماء إليه؛ فالفيلقان التابعان للجيش العراقي اللذان ارتكبا الجرائم في كوردستان وقعا في الأسر، ولم يُؤذَ أحدٌ منهما ولم تُوجَّه إليهما كلمةٌ سيئة، لقد سامحْناهم، وهذه طبائعُ الناس قبل قرارات القيادة.
