بعد 22 عاماً على وجودها في العراق… ماذا بعد انتهاء مهام بعثة «يونامي»؟

طابت أوقاتكم مشاهدينا الكرام. نرحّب بكم في هذه الحلقة من برنامج «باسي رۆژ – حديث اليوم»، حيث نناقش قضية مهمة وآنية تشغل الرأي العام العراقي والكوردستاني.

اليوم، وبشكل رسمي، انتهت مهام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» بعد أكثر من 22 عاماً من العمل في البلاد. هذا التطور يفتح باب التساؤلات، ولا سيما لدى الإعلاميين والرأي العام: ماذا يعني انتهاء مهام يونامي؟ وما مصير عمل المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية؟ وهل العراق لم يعد بحاجة إلى هذا الوجود الدولي؟ وهل أصبح قادراً على إدارة شؤونه السياسية والإنسانية بنفسه؟

للحديث عن هذه المحاور، يسعدني أن أستضيف في الاستوديو السيد فلاح حسن، رئيس دائرة المنظمات غير الحكومية. أهلاً وسهلاً بك.

 

فلاح حسن: أهلاً وسهلاً بكم، وشكراً جزيلاً على الاستضافة.

كوردستان24 : كما ذكرنا، بعد أكثر من عقدين من عمل «يونامي» في العراق، انتهت مهامها اليوم رسمياً. برأيك، هل يُعد هذا تطوراً إيجابياً؟ هل نفرح بانتهاء هذه المهام، أم أن العراق ما زال بحاجة إلى وجودها؟

فلاح حسن : بسم الله الرحمن الرحيم. قبل الدخول في صلب الموضوع، أودّ أن أوجّه رسالة تعزية إلى شعبنا العزيز على خلفية الفيضانات الأخيرة التي ضربت إقليم كوردستان، ولا سيما في مناطق جمجمال وتكية وشورش، والتي أدت للأسف إلى فقدان أرواح مواطنين. نسأل الله أن تكون هذه آخر المصائب، وأن نتمكن جميعاً من خدمة شعبنا بشكل أفضل والحد من هذه الكوارث.

كما أود أن أنتهز الفرصة لإيصال رسالة إيجابية، بما أن الحديث عن الأمم المتحدة، وهي تهنئة للدكتور برهم بمناسبة توليه رئاسة مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR). هذا منصب مهم جداً، ولأول مرة في التاريخ يحمل هذا الموقع اسم كوردستان. باسم كوردستان نبارك له، ونتمنى له النجاح في مهامه.

أما بخصوص سؤالك، فإن قضية «يونامي» ليست قضية إدارية فقط، بل هي قضية سياسية بالدرجة الأولى. عندما نعود إلى عام 2003، نسأل: لماذا احتاج العراق إلى يونامي؟ ولماذا طُلب وجودها؟ كان ذلك بقرار من مجلس الأمن رقم 1500، وبطلب رسمي من العراق نفسه، لأنه في تلك المرحلة لم يكن قادراً على إدارة شؤونه بنفسه.

كوردستان24 : لكن عام 2003 انتهى اليوم، أليس كذلك؟

فلاح حسن : انتهى جزئياً، لكنه لم ينتهِ بالكامل. العراق تحسّن مقارنة بتلك المرحلة، لكنه لم يصل بعد إلى المستوى الذي يؤهله للاستغناء الكامل عن الأمم المتحدة ويونامي. السؤال الحقيقي هو: هل وصل العراق فعلاً إلى هذه المرحلة؟ برأيي، لا. وهناك الكثير من المؤشرات التي تدل على ذلك.

كوردستان24 : هذا من الناحية السياسية، لكن ماذا عن الجانب الإنساني؟

فلاح حسن : من الناحية الإنسانية، رحيل يونامي والوجود الأممي يُعد كارثة حقيقية. انظري اليوم إلى الفيضانات التي ضربت إقليم كوردستان، أو إلى أي أزمة إنسانية قد تحدث في أي منطقة من العراق. هل تستطيع الدولة العراقية وحدها تحمّل هذه المسؤوليات والتعامل مع هذه الأزمات؟ الجواب بصراحة: لا.

كوردستان24 : لكن خلال 20 أو 22 عاماً، ماذا قدمت هذه المنظمات فعلياً؟ ولماذا تؤكدون دائماً على أهميتها؟

فلاح حسن : دعينا نستحضر مثال حرب داعش. خلال تلك الفترة، واجه العراق دماراً واسعاً وتشريداً لملايين المواطنين. من الذي قدّم الإغاثة للنازحين وسكان المخيمات؟ هل استطاعت الدولة العراقية القيام بذلك بمفردها؟ أم كانت منظمات الأمم المتحدة مثل UNHCR وIOM وبرنامج الغذاء العالمي هي التي تحملت العبء الأكبر؟

في إقليم كوردستان وحده، استقبلنا في مرحلة معينة أكثر من مليون ونصف نازح ولاجئ. لولا وجود هذه المنظمات والتنسيق الدولي، لما كان بالإمكان إدارة هذا الملف إطلاقاً.

كوردستان24 : إذن، بانتهاء مهام يونامي، ما التأثير المباشر على العمل الإنساني وعمل المنظمات؟

فلاح حسن : لتبسيط الفكرة للمواطن، الأمم المتحدة ليست مؤسسة واحدة، بل منظومة تضم قطاعات متعددة. في العراق، كان هناك تركيز على قطاعين أساسيين: القطاع السياسي والقطاع الإنساني.

القطاع الإنساني يشمل وكالات أممية عديدة، مثل برنامج الغذاء العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، ومنظمة اليونسكو، ومفوضية اللاجئين (UNHCR). هذه الجهات تقوم بالعمل الإنساني الأساسي في مجالات الغذاء، الصحة، التعليم، واللاجئين. غياب هذه المنظومة سيشكّل ضربة كبيرة للعمل الإنساني في العراق.

كوردستان24 : هل هذا يعني أن هذه الوكالات لن تبقى في العراق وإقليم كوردستان؟

فلاح حسن : حسب ما هو مطروح حالياً، فإن المرحلة الأولى تشمل يونامي، لكن مع انتهاء المشروعية السياسية، قد تتأثر بقية الوكالات أيضاً. كما أن يونامي كانت تلعب دوراً سياسياً مهماً، خاصة في التوسط بين أربيل وبغداد عند حدوث خلافات، وهذا الدور سيفتقده الجميع بعد رحيلها.

كوردستان24 : برأيك، من الأكثر تضرراً من هذا الانسحاب: العراق أم إقليم كوردستان؟

فلاح حسن : الضرر سيصيب الطرفين، لكن إقليم كوردستان سيتضرر أكثر سياسياً، بينما سيتضرر العراق أكثر إنسانياً. العراق ما زال يعاني ضعف البنية التحتية والخدمات، وعدم القدرة على إدارة الأزمات. أما الإقليم، فرغم استقراره النسبي، فإن غياب الوسيط الدولي سيزيد من الضغوط السياسية عليه.

كوردستان24 : هناك من يقول إن الأمم المتحدة كانت عبئاً ولم تقدم أثراً واضحاً. كيف تردون على هذا الطرح؟

فلاح حسن : هذا الرأي موجود في كثير من دول العالم، وليس في العراق فقط. نعم، هناك كلفة مالية ورواتب مرتفعة، وربما تقصير في بعض الملفات. لكن رغم كل ذلك، وجود الأمم المتحدة أفضل من غيابها في ظل الواقع الحالي للعراق.

لو كان العراق دولة مستقرة، ديمقراطية، ذات مؤسسات قوية، فأنا شخصياً لا أفضّل وجود الأمم المتحدة. لكننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة.

كوردستان24 : كلمة أخيرة تودّ توجيهها للمواطن العراقي والكردستاني؟

فلاح حسن : أقول بكل وضوح: رحيل يونامي في هذا التوقيت سابق لأوانه. العراق ما زال بحاجة إلى الدعم الإنساني، والرقابة الدولية، والوساطة السياسية. أي فراغ في هذا المجال قد تستغله الجماعات المسلحة والميليشيات، على حساب الدولة والمواطن.

كوردستان24 : شكراً جزيلاً لك السيد فلاح حسن، رئيس دائرة المنظمات غير الحكومية، على هذا الحوار المفصّل. شكراً لكم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، وإلى اللقاء في حلقة جديدة من «حديث اليوم» على شاشة كوردستان24.