سمير عيطة: الكورد جزء من مستقبل المنطقة

أربيل (كوردستان 24)- في حلقةٍ استثنائية من برنامج "الكورد في عيون معاصرة"، نفتح نافذة جديدة للحوار مع المفكر والاقتصادي سمير عيطة، الذي قدّم قراءة معمّقة للمسألة الكوردية في سياق التحولات الإقليمية، متناولاً جذور الأزمة ومآلاتها المستقبلية.

تتناول المقابلة العلاقة المعقّدة بين الهوية والمواطنة، والتحديات التي تواجه الكورد في دول المنطقة، من سوريا والعراق إلى تركيا وإيران، في ظل غياب مشروع وطني جامع.

ويرى العيطة أن تجاوز الأزمات القومية والطائفية لن يتحقق إلا من خلال ترسيخ مفهوم المواطنة والدستور العادل، بعيداً عن منطق الأغلبية والأقلية، مؤكداً أن “الاعتراف بالتنوع لا يهدد الدولة، بل يصونها ويمنحها القوة”.

حلقة تسعى إلى قراءة متأنّية لتاريخٍ مثقل بالتحديات، ورؤيةٍ تتطلع إلى مستقبلٍ تشاركي تتسع فيه الدولة لكل أبنائها، دون تمييز أو إقصاء.

وهذا نص الحوار: 

-    نبدأ من السؤال الأوسع:

كيف ترى موقع القضية الكوردية اليوم ضمن المشهد السياسي في المنطقة، وما هي أبرز التحديات التي تواجه الكُرد بعد عقود من سياسات التهميش والإقصاء؟

سمير  عيطة :  في الحقيقة، التحديات التي يواجهها الكورد ليست منعزلة عن أزمات المنطقة نفسها. فدول مثل سوريا والعراق وتركيا وإيران نشأت على أسس قومية صارمة، همّشت التنوع الموجود منذ الأزل.

المسألة ليست فقط قضية كوردية، بل هي أزمة في مفهوم الدولة الوطنية، التي لم تنجح في بناء مواطنة جامعة تتجاوز الطوائف والقوميات.

الكورد، كغيرهم من المكونات، يسعون إلى الاعتراف بحقوقهم الثقافية والسياسية، ولكنهم يصطدمون بنظمٍ ما زالت تعتبر التنوع تهديداً بدلاً من أن تراه ثراءً.

-    إذن نحن أمام إشكالية مزدوجة: أزمة هوية وطنية من جهة، وأزمة ثقة بين المكونات من جهة أخرى. كيف يمكن تجاوز ذلك؟

سمير  عيطة :   أولاً، يجب أن نتجاوز فكرة الأغلبية والأقلية. فالوطن ليس مجموعة طوائف تتنافس على النفوذ، بل فضاءٌ مشترك لمواطنيه جميعاً. الدستور يجب أن يكون هو المرجعية التي تحمي الجميع دون تمييز. حين يشعر كل مواطن – كوردي أو عربي أو آشوري أو سرياني – أن القانون يحميه كمواطن أولاً، تسقط تلقائياً الحساسيات القومية والطائفية.

-    البعض يرى أن النخب السياسية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في تعميق هذه الانقسامات، سواء في سوريا أو العراق. ما رأيك؟

سمير  عيطة :  بلا شك. الأحزاب – سواء القومية أو اليسارية أو الدينية – ارتكبت أخطاء كبيرة.

فبدلاً من بناء مشروع وطني جامع، انشغلت بخطابها الفئوي أو الأيديولوجي، ما جعل فكرة “المواطنة” تتراجع أمام الولاءات الضيقة. حتى في الحالة الكوردية، هناك تعدد أحزاب وصراعات داخلية كان من الممكن تجاوزها لو تم التركيز على المصلحة العامة والهوية الجامعة.

-    هذا يقودنا إلى سؤال حول المستقبل: هل ترى أن الكورد في سوريا والعراق ماضون نحو حالة استقرار واندماج حقيقي، أم أننا ما زلنا في مرحلة القلق والبحث عن هوية؟

سمير  عيطة :  أعتقد أننا في مفترق طرق. الكورد قدّموا تضحيات كبيرة في مواجهة الإرهاب، وكان لهم دور محوري في هزيمة “داعش”. لكن المرحلة المقبلة تتطلب تحولاً من إدارة الأزمة إلى إدارة التعايش، أي من السلاح إلى السياسة، ومن ردّ الفعل إلى الفعل البنّاء.

مستقبل الكورد، كما مستقبل باقي المكونات، مرهون بمدى نجاح الجميع في بناء دولة عادلة، تضمن الحقوق في إطار المواطنة لا المحاصصة.

-    هناك من يرى أن العلاقة بين أربيل وبغداد تقدّم نموذجاً يمكن الاستفادة منه في بلدان أخرى، كونها قائمة على الشراكة الدستورية والتفاهم السياسي. هل توافق على ذلك؟

سمير  عيطة :  إلى حدٍّ كبير نعم. رغم كل الخلافات، فإن تجربة إقليم كوردستان أثبتت أن الحوار الدستوري والاتفاق السياسي يمكن أن يحقق استقراراً نسبياً أفضل من الصدام. لكن يجب تطوير هذا النموذج ليصبح أكثر شمولاً وتكاملاً، بحيث يكون نموذجاً للحكم اللامركزي الذي يحافظ على وحدة الدولة ويضمن خصوصية المكونات.

-    سؤال أخير أستاذ سمير، كيف ترى مستقبل الكورد في خريطة المنطقة خلال السنوات القادمة؟

سمير  عيطة :  إذا استطاع الكورد أن يستثمروا قوتهم السياسية والثقافية ضمن مشروع وطني شامل، بعيداً عن التدخلات الخارجية، فسيكون لهم دور أساسي في صياغة مستقبل المنطقة.
لكن إن بقيت القوى الإقليمية والدولية تستخدم الورقة الكوردية كأداة ضغط، فستظل القضية تدور في دوامة.
الرهان الحقيقي هو على وعي الشعوب، وقدرتها على بناء دول عادلة تحترم الجميع.

 
 
Fly Erbil Advertisment