سقوط الأسد.. تفاصيل الهروب الكبير من دمشق

أربيل (كوردستان24)- في ليلة باردة من ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، وبعد منتصف الليل بقليل، كانت الظلمة تلفّ القسم العسكري من مطار دمشق الدولي. في تلك اللحظات المشحونة بالفوضى، تجمع عشرات الأشخاص يحملون ما استطاعوا حمله من أمتعة، ليصعدوا على عجل إلى طائرة صغيرة تابعة للخطوط الجوية السورية.
لم يكن هؤلاء سوى أركان النظام السوري السابق، الذين تحوّلوا بين ليلة وضحاها من رموز للسلطة إلى فارّين من العدالة، بعد السقوط المفاجئ للرئيس بشار الأسد وهروبه من البلاد.
هروب الأسد وصدمته لدائرته المقربة
بحسب تقرير موسع نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية نقلاً عن تحقيقات أجرتها «نيويورك تايمز»، فقد بدأ انهيار النظام في ليلة 7 ديسمبر 2024 عندما اختفى الأسد بشكل مفاجئ من القصر الرئاسي، تاركًا كبار مساعديه في ذهول تام.
في تلك الليلة، أقلعت طائرة صغيرة من طراز «ياك-40» من مطار دمشق، تقلّ عددًا من كبار مسؤولي النظام، بينهم قحطان خليل مدير استخبارات سلاح الجو، وعلي عباس وعلي أيوب، وهما وزيرا دفاع سابقان، إضافة إلى عبد الكريم إبراهيم رئيس الأركان، وجميعهم متهمون بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من 13 عامًا.
بداية الانهيار... «لقد رحل»
وفقاً لشهادات مسؤولين سابقين نقلتها الصحيفة، كانت الساعات الأخيرة في القصر الرئاسي مرتبكة. كان كبار الضباط يعتقدون أن الأسد ما زال هناك، ينسّق مع حلفائه الروس والإيرانيين خطة للدفاع عن العاصمة، لكن تلك الخطة لم تُنفذ قط.
وبحلول منتصف الليل، تبيّن أن الرئيس السوري غادر إلى قاعدة حميميم الروسية الساحلية برفقة ابنه ومساعده المالي، في قافلة محمية من الروس. عندها أبلغ أحد المساعدين أقاربه عبر الهاتف بعبارة واحدة تلخص المشهد: «لقد رحل».
سباق للهرب ونهب الأموال
في الساعات التي تلت اختفاء الأسد، سارع كبار رجالاته إلى تقليده. بعضهم استقل طائرات متجهة إلى الساحل، وآخرون لجأوا إلى السفارة الروسية التي ساعدت على تهريبهم إلى موسكو.
أما رؤساء الأجهزة الأمنية فاستغلوا الفوضى لنهب الأموال. فبحسب ثلاثة مسؤولين سابقين، قام حسام لوقا، مدير الاستخبارات العامة، بسحب أكثر من 1.3 مليون دولار من خزنة مكتبه قبل مغادرته البلاد إلى روسيا، فيما حمل كمال الحسن، رئيس الاستخبارات العسكرية، قرصاً صلباً يحوي أسراراً أمنية وبيانات حساسة قبل أن يُصاب أثناء فراره ويُنقل بدوره إلى موسكو عبر السفارة الروسية.
مأوى الروس... والملاذات الآمنة
كان بين الفارين أيضًا علي مملوك، مدير الأمن الوطني المتقاعد، الذي وُصف بأنه «الصندوق الأسود للنظام»، إذ لجأ بدوره إلى السفارة الروسية بعد نجاته من كمين قرب دمشق، قبل أن يُنقل لاحقاً إلى روسيا.
أما ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع وقائد الفرقة الرابعة، فهرب بطائرته الخاصة من العاصمة بعد أن نقل عائلته وأمواله.
في حين تمكن اللواء بسام الحسن، أحد أكثر رجالات النظام رهبة والمتهم بالإشراف على الهجمات الكيميائية، من الوصول إلى لبنان ثم إيران بمساعدة مسؤولين إيرانيين، قبل أن يعود إلى بيروت في صفقة مع الاستخبارات الأميركية.
التحقيقات الدولية: هويات مزيفة وجوازات جديدة
بعد مرور عشرة أشهر على انهيار النظام، تعمل الحكومة السورية الجديدة والمنظمات الحقوقية الدولية على تعقب الفارين من رموز النظام.
لكن المهمة ليست سهلة، إذ تشير «نيويورك تايمز» إلى أن العديد منهم يمتلك جوازات سفر حقيقية بأسماء مزيفة حصلوا عليها عبر برامج «الجنسية مقابل الاستثمار» في دول الكاريبي.
وقال مازن درويش، مدير «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» في باريس، للصحيفة:
«بعض هؤلاء اشتروا هويات جديدة بمبالغ ضخمة. يملكون المال والوسائل التي تمكّنهم من التحرك بحرية والاختباء عن الأنظار».
بحث عن العدالة... ومصير مجهول
بالنسبة لعشرات الآلاف من السوريين الذين فقدوا ذويهم تحت التعذيب أو في السجون، فإن سقوط النظام لم يحقق العدالة المنشودة بعد.
فبينما توثق منظمات المجتمع المدني السورية الجرائم وتعد الملفات القضائية بالتعاون مع محققين دوليين، يبقى مصير كبار المتورطين مجهولاً، وسط انقسام دولي حول آليات محاسبتهم.
الحكومة الجديدة في دمشق، برئاسة أحمد الشرع، تواجه اختبارًا صعبًا: هل تمتلك الإرادة لملاحقة مجرمي الحرب السابقين، أم أن العدالة ستظل مؤجلة؟
واقع ما بعد السقوط
تقول «الشرق الأوسط» إن سوريا اليوم تواجه تحدياً مزدوجاً: إعادة الإعمار من جهة، ومطاردة رموز النظام السابق من جهة أخرى.
وبينما يواصل بعض الفارين حياة فارهة في موسكو وبيروت، يعيش ملايين السوريين وسط دمار اقتصادي وإنساني هائل، بانتظار أن يتحقق ما وُصف يوماً بأنه «عدالة الثورة».
المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية – تقرير مترجم ومقتبس عن خدمة نيويورك تايمز