تفاصيل اليوم الأول لنيكولا ساركوزي داخل سجن "لا سانتي" في باريس

أربيل (كوردستان 24)- قضى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ليلته الأولى خلف القضبان بعد أن سلّم نفسه صباح الثلاثاء 21 تشرين الأول/أكتوبر إلى سجن "لا سانتي" الواقع في الدائرة الرابعة عشرة من باريس، لبدء تنفيذ حكم بالسجن خمس سنوات صادرة بحقه في قضايا فساد وتمويل غير قانوني للحملات الانتخابية.
وأكد فريق دفاعه أن موكله لم يحظَ بأي معاملة خاصة، موضحين أنه وُضع في عزلة انفرادية لأسباب أمنية بحتة، ويُعامل "كأي سجين آخر داخل المؤسسة العقابية".
إجراءات دخول دقيقة وشاملة
عند وصوله إلى السجن، خضع ساركوزي لإجراءات الاستقبال الروتينية التي تُطبق على جميع السجناء الجدد، من أخذ البصمات والتقاط الصورة الرسمية، ومنحه رقمًا سجنيًا وبطاقة هوية داخلية.
ثم أُجري له تفتيش دقيق، وسُلّمت مقتنياته الشخصية المحظور الاحتفاظ بها إلى إدارة السجن لتُخزَّن في خزانة خاصة، قبل أن يخضع لمقابلة تعريفية قصيرة مع أحد مسؤولي المؤسسة العقابية. بعدها نُقل إلى زنزانة انفرادية مجهّزة بشكل أساسي.
تدابير أمنية استثنائية
فرضت السلطات الفرنسية إجراءات أمنية مشددة لحماية الرئيس الأسبق. فإلى جانب عزله التام عن باقي السجناء، قررت وزارة الداخلية تخصيص ضابطين من جهاز الحماية الشخصية لمرافقته على مدار الساعة.
وقال وزير الداخلية لوران نونيز في حديث لقناة CNews إن الخطوة جاءت "بعد تقييم دقيق للتهديدات المحتملة التي قد تطاله بحكم مكانته السابقة".
ويبقى الضابطان على مقربة من زنزانته طوال الوقت، ويرافقانه في أي تنقل داخل السجن أو أثناء فترات التهوية اليومية في ساحة المشي.
زيارة عائلية مبكرة
وفق القوانين الفرنسية، يحق لساركوزي ثلاث زيارات أسبوعيًا، وقد استفاد من هذا الحق في يومه الأول، إذ زارته زوجته كارلا بروني الثلاثاء 21 تشرين الأول/أكتوبر، في زيارة استغرقت نحو ساعة داخل غرفة مخصصة للزيارات العائلية.
كما زاره صباح الأربعاء محاميه كريستوف إنغران عند الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وبقي معه قرابة ساعتين، حسب ما أفادت به قناة BFMTV.
ويخطط فريق الدفاع، بحسب التقارير، لزيارته يوميًا خلال الفترة المقبلة لمتابعة أوضاعه القانونية والنفسية.
جدل سياسي حول زيارة مرتقبة
في السياق نفسه، أعلن وزير العدل جيرالد دارمانان عزمه زيارة ساركوزي داخل السجن، ما أثار انتقادات من بعض السياسيين الذين اعتبروا الخطوة "تمسّ باستقلال القضاء" وتؤشر إلى حساسية الموقف السياسي تجاه الرئيس الأسبق الذي ما زال يحظى بتأثير واسع في الأوساط اليمينية الفرنسية.
بهذا، تبدأ مرحلة جديدة في حياة نيكولا ساركوزي، الذي انتقل من قصر الإليزيه إلى زنزانة في "لا سانتي" — في مشهد يلخّص مفارقة السلطة والنفوذ في فرنسا، حيث لا أحد فوق القانون، مهما كان منصبه أو تاريخه.
قضية سجن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ليست حدثًا مفاجئًا، بل هي خلاصة مسار قضائي طويل ومعقّد بدأ منذ خروجه من قصر الإليزيه عام 2012، وتحوّل إلى أحد أكثر الملفات السياسية والقضائية إثارة للجدل في فرنسا الحديثة.
يذكر ان ساركوزي أُدين في قضيتين رئيسيتين وهما: “التنصّت” أو “الفساد والتأثير غير المشروع” (Affaire des écoutes) اتُّهم فيها بمحاولة الحصول على معلومات سرية من قاضٍ مقابل وعد بمنصب رفيع في موناكو. وأصدرت المحكمة في آذار/مارس 2021 حكمًا بسجنه ثلاث سنوات، منها سنة نافذة.
والقضية الثانية هي قضية “بيغماليون” (Bygmalion) تتعلق بتمويل حملته الرئاسية عام 2012 بمبالغ تجاوزت السقف القانوني المحدد بأكثر من الضعف. وحُكم عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بالسجن خمس سنوات، منها سنتان نافذتان، مع منع من الترشح لأي منصب عام لمدة ثلاث سنوات.
القضيتان مجتمعتان شكّلتا أساس العقوبة الحالية التي بدأ تنفيذها في سجن “لا سانتي” بباريس في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2025.
سجن "لا سانتي" (La Santé) من أقدم السجون في فرنسا وأكثرها رمزية، ويقع في قلب العاصمة باريس.
مرّ عليه عبر التاريخ شخصيات سياسية وأمنية بارزة، كما خضع لعملية تجديد كاملة بين عامي 2014 و2019 لتطوير البنية التحتية وتحسين ظروف الاحتجاز.
ورغم أن الزنزانة المخصصة لساركوزي تقع في قسم العزل لأسباب أمنية، فإنها تخضع لإجراءات أمنية صارمة ومراقبة على مدار الساعة.
ردود الفعل في فرنسا
أثار دخول ساركوزي السجن انقسامًا واسعًا داخل الرأي العام الفرنسي: البعض اعتبره دليلاً على استقلالية القضاء الفرنسي وأن “لا أحد فوق القانون”. فيما رأى آخرون أنه استهداف سياسي لرئيسٍ ما زال يتمتع بشعبية داخل اليمين الفرنسي. زوجته كارلا بروني نشرت رسالة مؤثرة عبر “إنستغرام”، قالت فيها: “العدالة قد تكون قاسية أحيانًا، لكن قلبي معك يا نيكولا، أنت قوي كما كنت دائمًا".
سجن ساركوزي يمثل سابقة تاريخية في الجمهورية الخامسة، إذ لم يُسجن أي رئيس فرنسي سابق من قبل لتنفيذ حكم نهائي.