المقايضة والائتمان خيار وحيد للسودانيين في ظل غياب السيولة

أربيل (كوردستان24)-  يلجأ السودانيون لمقايضة ما يملكون من ملابس أو أثاث لتأمين الاحتياجات الأساسية، بينما يدوّن التجار ديون الزبائن في دفاتر لحين الدفع الآجل، في ظل انعدام السيولة وانهيار النظام المصرفي والاقتصاد بسبب الحرب المتواصلة منذ أكثر من عامين.

ويقول علي، وهو موظف حكومي في الدلنغ بولاية جنوب كردفان لوكالة فرانس برس "لم أمسك بيدي ورقة نقدية منذ تسعة أشهر".

وتحاصر قوات الدعم السريع الدلنغ ومدن أخرى في منطقة كردفان الغنية بالنفط والأراضي الزراعية في محاولة لانتزاعها من الجيش الذي ما زال يسيطر على أجزاء واسعة من وسط السودان.

وبسبب نقص السيولة وعدم استقرار شبكات الاتصالات، ما يعطل المعاملات الرقمية، يلجأ كثيرون إلى مقايضة الملابس أو الأجهزة المنزلية، بكميات من الطحين أو الأرز وأحيانا الوقود.

ويؤكد علي أنه قايض "محراثا وكرسيا مقابل ثلاثة أكياس من الذرة".

بدوره، يقول الصادق عيسى، وهو متطوع محلي تحدث الى فرانس برس عبر الهاتف، "يتلقى سائقو الدراجات النارية والتوك توك الزيت والصابون كأجرة".

ويضيف "تقدم بعض العائلات الذرة أو الطحين أو السكر مقابل أعمال يومية مثل صيانة المركبات".

- "امتلاك النقد خطر" -

بعيد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/أبريل 2023، التهمت النيران المصرف المركزي في الخرطوم، ما تسبّب في توقف نظام التحويل الآمن (سويفت).

وخلال الحرب، تعرضت البنوك للنهب وفرغت خزائنها من النقود، بينما انهار النشاط الاقتصادي ووقعت المؤسسات العامة رهينة التفكك.

وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد ملايين المدنيين، وأغرقت البلاد في ما تصفه الأمم المتحدة بأنه "أسوأ أزمة إنسانية" في العالم.

وفي ظل الظروف الأمنية السائدة، بات حمل النقود أمرا محفوفا بالمخاطر.

ويقول دفع الله إبراهيم، وهو بقال من أم درمان في الخرطوم، إن "امتلاك النقد يعرضك للخطر في ظل أوضاع البلد".

قبيل اندلاع الحرب، كانت البلاد تشقّ طريق التعافي الاقتصادي مع رفع العقوبات التي فرضت على الخرطوم منذ العام 1997 لاتهامها بدعم الجماعات الإسلامية، ما فتح الباب أمام عودة السودان الى النظام المالي العالمي.

وقبل الحرب، كان اليورو يساوي 450 جنيها، بينما يصل سعر صرفه حاليا الى 3500 جنيه في السوق السوداء.

وبحسب البنك الدولي، كان 15 في المئة فقط من السودانيين يملكون حسابات مصرفية قبل الحرب، لكن التعاملات الرقمية، لا سيّما عبر تطبيق "بنكك" العائد لبنك الخرطوم، كانت تنتشر في المناطق الحضرية.

ويقول وليام كوك، الخبير في اللجنة الاستشارية لمساعدة الفقراء (CGAP) في واشنطن، إن النظام المصرفي في السودان "كان على وشك التحول إلى نموذج أكثر انفتاحا، على غرار كينيا أو تنزانيا أو غانا".

ويأسف كوك لأن "الحرب أوقفت أي تقدم".

ولا يزال البعض في السودان يعتمدون على تطبيق "بنكك" الذي يقدم خدمة تحويل الأموال لتلقي الرواتب أو تسلم تحويلات مالية من الأقارب بالخارج. غير أن عمله غير مستقر بسبب الانقطاع المتكرر لشبكات الاتصالات واستهداف طرفي الحرب للبنى التحتية المدنية.

في كادوغلي التي تحاصرها قوات الدعم السريع في جنوب كردفان، يسمح التاجر عبد الرحمن لزبائنه بالدفع الآجل.

ويوضح لفرانس برس "أقول لهم +يمكنكم الدفع عندما يعمل بنكك مرة أخرى+ وأدون ديونهم في دفتر".

- أوراق قديمة وجديدة -

وفي ظل انعدام الشبكات المحلية الفعالة، لم يعد أمام السودانيين خيار سوى الاتصال بشبكة الأقمار الصناعية (ستارلينك) لاستخدام تطبيقات مثل "بنكك".

وتسيطر قوات الدعم على ستارلينك في معظم المناطق، خاصة مناطق نفوذها، بينما حظرتها الحكومة المرتبطة بالجيش في كانون الأول/ديسمبر 2024.

لكن التعاملات الرقمية تتطلب حسابا مصرفيا وجواز سفر وهاتفا، وهي رفاهيات غير متاحة للكثيرين، خاصة في المناطق الريفية النائية، ما يضطر البعض لاستخدام حسابات أشخاص آخرين، ما يفتح الباب أمام تقاضي عمولات.

ويقول يوسف أحمد، وهو موظف حكومي تواصلت معه فرانس برس، إن قوات الدعم كانت، أثناء سيطرتها على الخرطوم، "تأخذ ما يصل إلى ربع المبلغ" كعمولة مقابل تسلم وتوفير النقد عبر "بنكك" لغير القادرين على استخدام التطبيق.

وللحد من الاحتيال، أصدرت الحكومة المتحالفة مع الجيش في كانون الأول/ديسمبر 2024، قرارا يسمح بفتح حسابات مصرفية عن بُعد واستخدام بطاقات هوية منتهية الصلاحية.

وفي الآونة الأخيرة، أصدرت الحكومة التي باتت تتخذ من مدينة بورتسودان في شرق البلاد مقرا، عملات ورقية جديدة يتم استخدامها في مناطق نفوذها.

الا أن ذلك أرسى نظاما نقديا مقسما، اذ أن المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع ما زالت تستخدم الأوراق النقدية القديمة. ويشكل ذلك تجسيدا لانقسام الميدان في السودان، اذ أن الحرب قسمت البلاد فعليا الى مناطق نفوذ، مع سيطرة قوات الدعم السريع على غرب البلاد ومناطق في الجنوب، فيما يسيطر الجيش على الشمال والشرق.

AFP

 

 
Fly Erbil Advertisment