"زلزال" في قوائم البطاقة التموينية.. شطب 4 ملايين اسم "وهمي" وخبراء يحددون خارطة طريق لوقف الهدر المالي

أربيل (كوردستان24)- في خطوة وُصفت بأنها الأجرأ منذ سنوات في ملف الأمن الغذائي العراقي، كشفت وزارة التجارة عن أرقام صادمة تتعلق بحجم التلاعب في البطاقة التموينية، معلنة شطب أكثر من 4 ملايين اسم وهمي وغير مستحق، في وقت يرى فيه خبراء اقتصاديون أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، تحتاج إلى تعزيزها بنظام "أتمتة" صارم لوقف نزيف الأموال العامة المستمر منذ ربع قرن.

فجر وزير التجارة، أثير داود الغريري، مفاجأة من العيار الثقيل خلال فعاليات "أسبوع النزاهة الوطني" يوم أمس الأربعاء، بإعلانه الكشف عن أكثر من 4 ملايين و400 ألف اسم مخالف في قاعدة بيانات البطاقة التموينية.
وأوضح الغريري أن هذه الأسماء تتنوع بين "وهمية، ومكررة، ومسافرين"، مشيراً إلى أن هذه التجاوزات تراكمت على مدار الـ 25 سنة الماضية دون أن يتم الإبلاغ عنها من قبل الوكلاء أو العوائل أو الموظفين المعنيين، مما شكل استنزافاً هائلاً لموارد الدولة.

وفي سياق المعالجة، أكد الوزير قرب إطلاق "تحول إلكتروني كبير" في الوزارة، يهدف إلى تقديم خدمات جديدة تحد من الفساد والتسويف والمماطلة. وأشار الغريري إلى أن الوزارة ماضية بحزم في إحالة أي ملف تحيط به شبهات فساد إلى القضاء، معتبراً أن النزاهة يجب أن تكون ثقافة مجتمعية وليست مجرد نصوص قانونية.

وللوقوف على أبعاد هذا الملف، يرى مراقبون للشأن الاقتصادي أن الفساد في البطاقة التموينية لا يقتصر فقط على الأسماء الوهمية، بل يمتد لسلسلة التجهيز والتوزيع.

يقول خبراء الاقتصاد إن "الإعلان عن شطب 4 ملايين اسم يعني توفير مليارات الدنانير شهرياً كانت تذهب لجيوب الفاسدين بدلاً من تحسين جودة السلة الغذائية للمواطن الفقير". ويضيف: "الخلل يكمن في الاعتماد الطويل على القوائم الورقية التي يسهل التلاعب بها، فضلاً عن تواطؤ بعض الوكلاء مع جهات متنفذة لبيع المواد المدعومة في السوق السوداء".

من جانبهم، يشدد متخصصون في مجال الحوكمة الإلكترونية على أن الحل الجذري يكمن في "الأتمتة الشاملة". ويرى المحللون أن التحول إلى "البطاقة التموينية الإلكترونية" وربطها بقاعدة بيانات البطاقة الوطنية الموحدة هو السبيل الوحيد لمنع عودة الأسماء الوهمية.

ويشير الخبراء إلى أن النظام الإلكتروني سيسمح بتحديث فوري لحالات (الوفاة، السفر، والتوظيف الحكومي ذو الدخل العالي)، مما يضمن وصول الدعم لمستحقيه فقط، وهو ما يتطابق مع توجهات الوزارة الحالية التي أعلن عنها الغريري.

وبالعودة لتصريحات الوزير، فقد شدد الغريري على "الدور المحوري للمواطن" في الإبلاغ عن حالات الفساد. وهي نقطة يتفق معها الباحثون الاجتماعيون، مؤكدين أن التستر على أفراد متوفين أو مسافرين لاستلام حصصهم يعتبر "تجاوزاً على المال العام" وسبباً رئيسياً في رداءة المواد الموزعة، حيث تضطر الدولة لتقليل الجودة لتغطية الكميات الهائلة من الأسماء الوهمية.

جدير بالإشارة إلى أن وزارة التجارة، بحسب تصريح وزيرها، تسعى لتوسيع مهامها لتشمل رقابة الأسواق وتحقيق التوازن السعري، وعدم الاكتفاء بتوزيع الحصص. 

ويرى المراقبون أن نجاح الوزارة في تنظيف سجلاتها سيمثل حجر الزاوية في إصلاح النظام الاقتصادي العراقي، شريطة استمرار الرقابة وعدم الخضوع للضغوط السياسية التي طالما عرقلت هذا الملف في السنوات السابقة.