دروز جنوب سوريا يتطلعون إلى مستقبل أفضل بعد سقوط بشار الأسد

أربيل (كوردستان 24)- يصف بيان الحناوي بـ"الحلم" وقوفه في ساحة الكرامة في مدينة السويداء مع جموع المحتفلين بسقوط حكم حزب البعث، فالرجل الذي أمضى 17 عاما في السجون في عهد حافظ الأسد، لم يتخيل أن يعيش ليرى هذا اليوم.

في مدينة السويداء، مركز المحافظة ذات الغالبية الدرزية، اكتظّت ساحة الكرامة التي كانت مسرحاً لتظاهرات مطالبة برحيل بشار الأسد مدى عام ونصف عام، بمئات ممن احتفلوا بسقوطه.

رفع المحتفلون العلم الأبيض والأخضر والأسود ذا النجوم الثلاث وصفقوا على وقع الأغاني الاحتفالية، رافعين أغصان الزيتون.

من بينهم من فقد ابنا أو أخا خلال فترة الاحتجاجات التي اندلعت في العام 2011، أما آخرون فقد عانوا مباشرة في السجون، مثل الحناوي (77 عاما) الذي سجن حينما كان جنديا في الجيش السوري يبلغ 23 عاما في العام 1975 أي بعد نحو خمس سنوات من الانقلاب الذي أوصل حافظ الأسد إلى السلطة.

ويقول الرجل الذي ملأت التجاعيد وجهه وغزا الشيب رأسه "كان هذا حلما، كنا نحلم بأنه في يوم من الأيام سيسقط النظام".

ويصف مشاعره بمزيج من "السعادة والحزن"، مضيفا "هناك حزن وقهر، ليت الذين كانوا معي في (سجني) المزة وصيدنايا قادرون على أن يروا هذا المشهد، المشهد الرائع الذي لم نكن نتصوره".

لا يقوى الرجل الذي يصف معاناة هائلة وتعذيبا تعرض له بالسجن على تمالك نفسه، ويقول "خرجت وأنا في الأربعين من عمري، خسرت كل حياتي...السجن لا يوصف، الجلد ووسائل تعذيب...لم يمارس أي ظالم بالتاريخ ما مارسوه علينا".

منذ الأحد، خلت الفروع الأمنية في المدينة من قوات الأمن، وهجر مركز حزب البعث تماما. وعلى الطريق المؤدية من دمشق إلى السويداء، فرغت الحواجز التي كانت للجيش السوري، من أي جندي، كما المواقع المحيطة في المحافظة.

لا مظاهر مسلحة على الطريق إطلاقا، أما في السويداء، فالمسلحون الموجودون على الأرض هم من أبناء المنطقة وينتمون إلى فصائل محلية وليس إلى هيئة تحرير الشام التي يبدو أنها لم تدخل السويداء بعد.

"الحرية والكرامة"

في بداية النزاع في العام 2013، انشقّ نجل سهام زين الدين الملازم خلدون زين الدين عن الجيش السوري، وانضمّ الى فصيل محلي للقتال ضدّ الحكومة حينها، قبل أن يقتل في إحدى المعارك في العام 2014.

بالنسبة لوالدته، فإن ابنها "ضحى بدمه من أجل هذه الوقفة، من أجل الحرية، والكرامة".

حتى الآن، تقول سهام (60 عاما) بينما وقفت مع المحتفلين في السويداء "لا نعرف أين رفاته، لم نتسلمه من النظام، أتمنى على الأقلّ أن نتمكن من الحصول على رفاته".

وخلدون زين الدين من دروز قلائل حملوا سلاحا ضد النظام، وانخرطوا في المعارضة المسلحة منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011.

وتمكّن الدروز الذين يشكلون 3% من سكان سوريا من تحييد أنفسهم إلى حدّ كبير من تداعيات النزاع، بينما تخلف عشرات آلاف الشبان عن التجنيد الاجباري، مستعيضين عن ذلك بحمل السلاح دفاعاً عن مناطقهم فقط، فيما غضّت دمشق النظر عنهم.

وتتوزع الأقلية الدرزية بشكل خاص في لبنان ومرتفعات الجولان السوري المحتلّ من اسرائيل وفي اسرائيل، بالإضافة إلى جنوب سوريا خصوصاً في محافظتي السويداء والقنيطرة.

"ازدهار"

مدى عقود، عانت محافظة السويداء التهميش ونقص الخدمات الأساسية، كما يقول أبناؤها.

وفي المدينة التي شيدت مبانيها التقليدية بالحجارة البركانية السوداء المنتشرة بشكل كبير في المحافظة، يظهر بوضوح تردّي حال الطرقات والمباني، في وقت تضمّ المدينة والمحافظة اجمالا العديد من الآثار الرومانية البارزة، تظهر معالمها في بعض الأزقة الضيقة في السويداء.

بالنسبة الى الشيخ الدرزي مروان رزق، فإن "محافظة السويداء كانت مهمشة طوال أكثر من ستين عاما...أغلب سكانها تحت خط الفقر، أفقر النظام الغالبية، وعمل بمنهجية على تجويع الناس وتهجيرهم".

ويضيف بينما انضمّ الى المحتفلين في ساحة الكرامة، أن ما يطمح إليه السكان من الحكومة الجديدة في المستقبل هو قليل من الاهتمام.

ويتابع رزق: "ننظر اليوم الى المستقبل ونرجو من الجميع ان يمد يد المساعدة الى هذه المحافظة... يدنا ممدودة الى كل السوريين".

في الساحة نفسها، رفع حسين بندق صورة شقيقه ناصر، الصحافي والناشط المناهض للحكومة السابقة زالذي اعتقل في العام 2014 وانقطعت أخباره، بينما يرجح حسين أن يكون قتل تحت التعذيب في أحد سجون دمشق.

ويقول بندق (54 عاما) "ناصر كان شخصا حرا... أريد أن أبارك له الآن، بأن الغرس الذي زرعه هو ورفاقه بدمهم أصبح شجرة".

ويضيف "أستطيع أن أقول الآن بدون خجل إننا انتقمنا لهم، وحققوا ما أرادوا(...) لم يذهب دمهم سدى، نحن هنا بفضل تضحياتهم".

وبعد كلّ هذه السنوات من حكم حزب البعث، يؤكد حسين أن طموحاته هي "كطموحات أي انسان محترم، نتمنى ازدهارا وخيرا".