حكومة جديدة في لبنان ورئيسها يتعهد إعادة بناء "الثقة" مع المجتمع الدولي

أربيل (كوردستان24)- أعلنت الرئاسة اللبنانية السبت تشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام، ما يضع حدا لأكثر من عامين من تصريف الأعمال في السلطة التنفيذية، ويأتي على وقع تغييرات في موازين القوى السياسية بعد إضعاف حزب الله إثر حرب مدمّرة مع إسرائيل.

وتواجه الحكومة التي تعهّد سلام أن تركز على "الإصلاح والانقاذ" وإعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي، تحديات أبرزها إعادة الإعمار وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية تشكّل شرطا من الدول المانحة لدعم لبنان الذي عانى خلال الأعوام الماضية من انهيار اقتصادي وانفجار هائل في مرفأ بيروت.

وأتى تشكيل الحكومة غداة تأكيد مسؤولة أميركية بارزة أن واشنطن تعارض مشاركة حزب الله المدعوم من إيران في الحكومة المقبلة، بعد "هزيمته" عسكريا من قبل حليفتها إسرائيل.

وعلى مدى أكثر من عامين، تولت حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي إدارة شؤون لبنان بعدما حالت تجاذبات بين حزب الله وخصومه دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية عقب انتهاء ولاية ميشال عون الذي كان حليفا للحزب.

وانتخب قائد الجيش جوزاف عون رئيسا في التاسع من كانون الثاني/يناير بضغط دولي خصوصا من السعودية والولايات المتحدة، وذلك بعد أسابيع من سريان وقف إطلاق النار. وتمّ تكليف سلام الذي كان رئيسا لمحكمة العدل الدولية، تشكيل حكومة جديدة.

وقال سلام في كلمة من القصر الجمهوري في بعبدا إثر لقاء مع عون ورئيس البرلمان نبيه بري "إن الإصلاح هو الطريق الوحيد الى الإنقاذ الحقيقي".

وأوضح أن ذلك يأتي عبر "تأمين الأمن والاستقرار في لبنان عبر استكمال تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف اطلاق النار ومتابعة انسحاب إسرائيل حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية، وذلك بالتلازم مع إعادة الإعمار".

أضاف "ستسعى هذه الحكومة إلى إعادة الثقة بين المواطنين والدولة وبين لبنان ومحيطه العربي وبين لبنان والمجتمع الدولي".

وأتت تصريحات سلام (71 عاما) بعيد إصدار الرئاسة مراسيم تشكيل حكومته الجديدة المؤلفة من 24 وزيرا.

وتضم التشكيلة خمس وزيرات منهن الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية تمارا الزين (وزيرة للبيئة)، والخبيرة السابقة في البنك الدولي حنين السيد (وزيرة الشؤون الاجتماعية).

وضمت الحكومة أسماء معروفة أبرزها غسان سلامة المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة الى ليبيا، العائد الى وزارة الثقافة.

ومن أبرز الحقائب وزارة المالية التي سيشغلها ياسين جابر المقرب من رئيس البرلمان نبيه بري حليف حزب الله. ورفضت أطراف داخلية أن يتولى الثنائي حزب الله وحركة أمل تسمية من يتولاها، أو بقاءها من حصة الطائفة الشيعية.

- غير حزبيين -

وسبق لسلام أن أكد رفضه ضمّ حزبيين أو مرشحين الى الانتخابات النيابية المفترض إجراؤها العام المقبل، مشددا على معايير الكفاءة والسيرة المهنية.

وبينما غابت الأسماء الحزبية، سمّيَ العديد من الوزراء بالتشاور مع قادة الأحزاب في بلد يقوم على المحاصصة السياسية والطائفية، ولا سيما أن الحكومة تحتاج الى نيل الثقة في البرلمان حيث تسيطر القوى التقليدية على غالبية المقاعد.

وشدد عون على أن التأليف استند الى معايير "أهمها ألا تضم وزراء ينتمون الى أحزاب سياسية"، بل الاستناد الى "الكفاءة والخبرة والاختصاص".

وتعقد الحكومة جلستها الأولى الثلاثاء 11 شباط/فبراير في القصر الجمهوري. وأمامها مهلة دستورية من 30 يوما من تاريخ إصدار مراسيمها، لإعداد بيان وزاري تتقدم على أساسه لنيل الثقة.

وشدد سلام على أن الحكومة "لن تكون مساحة للمناكفات والصراعات الضيقة بل ستكون مساحة للعمل المشترك البناء"، وأنه يركز على "قيام دولة القانون والمؤسسات، لذلك فإنني عازم على إرساء الأسس الضرورية للإصلاح والإنقاذ".

ولقي تشكيل الحكومة ترحيبا دوليا، مع تأكيد أولوية الإصلاح.

وقالت السفارة الأميركية "يستحق الشعب اللبناني حكومة ستعيد بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، تكافح الفساد، وتطبّق الإصلاحات الضرورية"، داعية الى "صياغة بيان وزاري يساعد لبنان على اجتياز هذه المرحلة ورسم مسار نحو تحقيق هذه الأهداف".

بدورها، قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت "إن تشكيل الحكومة اليوم يمهد لفصل جديد ومشرق للبنان".

أضافت "تتطلع الأمم المتحدة إلى العمل مع حكومة لبنان في جهودها الرامية إلى تعزيز الإصلاحات الأساسية وتوطيد الأمن والاستقرار من خلال التنفيذ الكامل للقرار 1701".

وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس في بيان "أهنئ لبنان بحفاوة على تشكيل حكومة جديدة وأتمنى لرئيس الوزراء نواف سلام وحكومته كل النجاح".

واضافت كالاس: "نحن مستعدون لدعم الحكومة الجديدة في تنفيذ أجندة إصلاحية وتطلعية، وإعادة إطلاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان من خلال تنظيم مجلس شراكة هذا العام".

- "بناء الثقة" -

ووضع القرار حدا للأعمال القتالية بعد حرب بين إسرائيل وحزب الله في صيف 2006. ونصّ على بنود عدة منها ابتعاد الحزب عن الحدود ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة وحصره بالقوى الشرعية.

وبعد أعوام من الهدوء، خاض الحزب وإسرائيل نزاعا جديدا اعتبارا من تشرين الأول/أكتوبر 2023 على خلفية الحرب في غزة وفتح حزب الله جبهة "إسناد" دعما لحماس والقطاع. وبعد تبادل القصف عبر الحدود لنحو عام، وسّعت إسرائيل ضرباتها الجوية وبدأت عمليات توغل بري عبر الحدود.

وتوصل الجانبان لوقف إطلاق نار بوساطة أميركية دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

ومُني حزب الله في الأشهر الماضية بنكسات عدة خلال مواجهته مع اسرائيل، ما أدى الى إضعاف طرف أساسي هيمن خلال الأعوام الماضية على الحياة السياسية داخليا.

وأتى تشكيل الحكومة غداة إعلان مسؤولة أميركية بارزة من لبنان، أن واشنطن تعارض مشاركة الحزب في الحكومة اللبنانية بعد "هزيمته" عسكريا.

وقالت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط، الجمعة "وضعنا في الولايات المتحدة خطوطا حمراء واضحة، تمنعهم (حزب الله) من ترهيب الشعب اللبناني، بما في ذلك عبر مشاركتهم في الحكومة" المقبلة.

وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تشرف على تنفيذه لجنة خماسية تشارك فيها الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل وقوة الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، كان أمام إسرائيل حتى 26 كانون الثاني/يناير لتسحب قواتها من جنوب لبنان، لكنها أكدت أنها ستبقيها لفترة إضافية معتبرة أن لبنان لم ينفذ الاتفاق "بشكل كامل".

واتهم لبنان اسرائيل بـ"المماطلة" في تنفيذ الاتفاق. وأعلنت الحكومة في 27 كانون الثاني/يناير أنها وافقت على تمديد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حتى 18 شباط/فبراير.

AFP