الكورد في عيون المعاصرة.. قراءة في شخصية صلاح الدين الأيوبي ورهانات الحاضر (الجزء الثاني)

أربيل (كوردستان 24)- في إطار سلسلة حلقات الكورد في عيون المعاصرة، استضافت كوردستان24 المفكر والأكاديمي الأستاذ الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة قطر – الدوحة، للحديث عن دلالات التجربة الكوردية في التاريخ الإسلامي من خلال شخصية القائد صلاح الدين الأيوبي، وكيف يمكن الاستفادة من إرثه التاريخي في مواجهة تحديات الحاضر.

شخصية مركبة وهوية جامعة

قال الشنقيطي إن صلاح الدين الأيوبي كان شخصية مركبة متعددة الأبعاد، موضحاً: "صلاح الدين كوردي الأصل، لكنه نشأ في دمشق وتشكلت ثقافته في الفضاء العربي، وكان جزءاً من منظومة سياسية وعسكرية تركية. جمع بين الكردية من حيث النسب، والعربية من حيث الثقافة، والتركية من حيث البنية السياسية والعسكرية، وهو ما جعله شخصية جامعة للأمة الإسلامية."

وأضاف أن الجدل حول نسب صلاح الدين ليس جديداً، إذ تحاول الشعوب عادة أن تنسب الشخصيات التاريخية العظيمة إليها، غير أن القائد الأيوبي لم يُنكر نسبه الكردي، وفي الوقت ذاته لم يحصر نفسه فيه، بل قدّم نفسه رمزاً جامعاً يتجاوز حدود القوميات.

وعي استراتيجي وتجاوز الانقسامات

وأشار الشنقيطي إلى أن تعدد انتماءات صلاح الدين انعكس على أسلوبه في إدارة الصراعات السياسية والعسكرية. ففي مصر مثلاً، نقل الحكم من الفاطميين إلى العباسيين دون سفك دماء أو إقصاء جذري للمؤسسات الدينية، بل حافظ على الأزهر كمنارة للعلم.

مؤكداً أن "صلاح الدين كان يدرك أن الأمة لا تحتمل صراعات داخلية في ظل التهديدات الخارجية، خصوصاً مع الحملات الصليبية."

دروس للحاضر

وحول الدروس التي يمكن أن يستخلصها العرب والكورد والترك من تجربة صلاح الدين اليوم، شدد الشنقيطي على أن "الدرس الأهم هو إدارة الهويات المتعددة. فصلاح الدين لم يُقصِ أحداً، بل جمع الجميع تحت راية الإسلام والوحدة لمواجهة التحديات الكبرى.

وهذا ما نحتاجه اليوم: تجاوز المظلومية الضيقة، مواجهة التحيزات التاريخية بشجاعة، والعمل معاً لبناء مستقبل مشترك قائم على الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية."

المسألة الكوردية وتحديات المستقبل

وفي سياق متصل، اعتبر الشنقيطي أن اختزال المظلومية الكردية أو تبسيطها يمثل ظلماً جديداً، مشيراً إلى أن القضية الكردية ليست محلية فقط، بل إقليمية كبرى، ولا سيما أن نصف الأكراد يعيشون في تركيا.

وقال: "الفاشيات التي مورست بحق الكورد لا يمكن تجاوزها إلا بالاعتراف بها أولاً، لكن في الوقت نفسه لا يجب أن يتحول الإدمان على المظلومية إلى عائق أمام بناء المستقبل."

رسالة ختامية

وفي ختام اللقاء، وجّه الشنقيطي رسالة لمتابعي كوردستان24 قائلاً: "أحييكم من القلب، وأؤكد أن الكورد كانوا وسيبقون جزءاً أصيلاً من جسد الأمة. خلاصنا جميعاً – عرباً وكورداً وتركاً – يكمن في بناء دول عادلة تحترم التعددية وتضمن الحرية والكرامة للجميع. هذا هو الدرس الأكبر من تجربة صلاح الدين الأيوبي."

 
Fly Erbil Advertisment