جبال جيلو في هكاري: رحلة إلى "الجنة المحرّمة" التي فتحت أبوابها للعالم

أربيل (كوردستان 24)- في أقصى الجنوب الشرقي لتركيا (شمال كوردستان)، على الحدود مع العراق وإيران، حيث ترتسم قمم جبال طوروس الشاهقة على صفحة السماء، تفتح منطقة جيلو صفحة جديدة في تاريخها.

كانت هذه الجبال، التي وصفت يوماً بـ"المحرّمة" بسبب الظروف الأمنية، اليوم وجهة للمغامرين وعشاق الطبيعة، تكشف عن أسرارها البكر وجمالها الذي لا يضاهى. انضممنا إلى رحلة استكشافية إلى قلب هذا الكنز الطبيعي، وصولاً إلى قمة "رشكو" (أولودوروك)، ثاني أعلى قمة في البلاد.

رحلة عبر شرايين الطبيعة

تبدأ المغامرة من مدينة يوكسكوفا، حيث تترك حافلة صغيرة ضجيج المدينة خلفها لتتوغل في طرق وعرة، هي أشبه بشرايين تغذي قلب الطبيعة البرية. تتغير المشاهد تدريجياً من حقول خضراء ووديان سحيقة إلى شلالات تتدفق بمياه جليدية نقية. هنا، يختبر الزائر أولى تجاربه الحسية مع جيلو؛ برودة المياه التي تلامس الأقدام وصوت خريرها الذي يطغى على كل شيء.

يقول إسلام كانجو، وهو مرشد ومتسلق جبلي محلي يمارس هذه الرياضة بشغف منذ ثماني سنوات لكوردستان24: "هذه المنطقة كنز. لسنوات، كان الوصول إليها حلماً. الآن، تأتينا طلبات من كل مكان في تركيا وخارجها ليروا هذا الجمال. واجبنا هو أن نأتي بهم إلى هنا وأن نحافظ على نظافة هذا المكان كما وجدناه".

قمة رشكو: تحدي العزيمة وجمال اللحظة

الوصول إلى سفح جبل رشكو ليس بالمهمة السهلة؛ فالطريق يستغرق أربع ساعات من القيادة الصعبة. لكن كل لحظة من التعب تتلاشى أمام عظمة المشهد. بعد الوصول، يبدأ التحدي الحقيقي: الصعود إلى قمة ترتفع 4135 متراً. يحمل المتسلقون حقائبهم الثقيلة، ويشقون طريقهم عبر المنحدرات الصخرية، وأحياناً يستعينون بالحبال لتجاوز الحواف الحادة.

عند بلوغ القمة، تتكشف أمام الأعين بانوراما لا نهائية من القمم والجبال الممتدة حتى الأفق. هنا، على "سقف هكاري"، يلتقط الفريق الصور التذكارية أمام اللافتة التي تحمل بفخر اسم "جبل جيلو رشكو"، في لحظة انتصار على التعب وتوحد مع الطبيعة. ومع غروب الشمس، تتحول الصخور القاسية إلى لوحة فنية بألوان دافئة، لتبدأ بعد ذلك رحلة النزول الليلية على ضوء المصابيح الأمامية، في تجربة تزيد من إثارة المغامرة.

ذاكرة مكان.. وأمل مستقبل

تحت سماء الليل المرصعة بالنجوم، يتحلق الفريق حول نار المخيم، يتبادلون الأحاديث الدافئة. هذه اللحظات تعكس جوهر الرحلة: ليست مجرد رياضة، بل هي تواصل إنساني عميق.

لكن القصة الأكثر تأثيراً تأتي من أحد كبار السن في المنطقة، الذي يروي بحسرة كيف حُرم هو وأبناء جيله من الوصول إلى هذه الجبال لخمسين عاماً. يقول وعيناه تلمعان: "لم نكن نستطيع المجيء إلى هنا، حتى في وضح النهار كان الأمر محظوراً وصعباً. الآن الحمد لله، أصبح المكان آمناً ومفتوحاً للجميع".

هذه الكلمات تختصر قصة جيلو. فبعد عقود من العزلة، عادت الحياة تدب في هذه الجبال التي أُعلنت "حديقة وطنية" في عام 2020. اليوم، أصبحت أنهارها الجليدية التي يقال إن عمرها يتجاوز 20 ألف عام، وبحيراتها الساحرة مثل بحيرة "سات"، وشلالاتها المهيبة كشلال "جليفي"، وجهة لا تستهوي المتسلقين فحسب، بل كل باحث عن الجمال البكر والسلام الداخلي.

إن رحلة جيلو ليست مجرد تسلق قمة، بل هي رحلة في عمق التاريخ والجغرافيا وروح الإنسان. إنها شهادة حية على أن الطبيعة، مهما طال انتظارها، تظل دائماً مستعدة لاحتضان من يبحث عن جمالها بقلب مفتوح.

تجدر الإشارة إلى أن جبال جيلو والمناطق المحيطة بها ظلت لعقود بعيدة عن أنظار السياح بسبب النزاع المسلح بين الجيش التركي وحزب العمال الكوردستاني (PKK). ومع إطلاق عملية السلام بين الطرفين في مطلع العقد الماضي وما تبعها من هدوء نسبي، بدأت هذه الجبال تنفتح أمام الزوار تدريجيًا. 

تقرير: سنار صالح – كوردستان24 – هكاري (شمال كوردستان)

 
 
 
Fly Erbil Advertisment