الكورد بين القومية والمواطنة… حوار مع المفكر والباحث سمير عيطة

أربيل (كوردستان 24)- في عالم يموج بالتحولات السياسية والاجتماعية، تظل المسألة الكوردية واحدة من أعقد القضايا وأكثرها إثارة للنقاش. بين حلم القومية ومتطلبات المواطنة، وبين تعقيدات التاريخ وضغوط الحاضر، يقف الكورد اليوم أمام مفترق طرق يحدد مستقبلهم ودورهم في المنطقة.

في هذه الحلقة من برنامج الكورد في عيون معاصرة، نستضيف المفكر والاقتصادي المعروف سمير عيطة لنفتح معه حواراً معمقاً حول جذور القضية الكوردية، وتقاطعاتها مع المشهد العربي والإقليمي، وآفاقها المستقبلية.

مقدم البرنامج:

مرحباً بكم أعزائي المشاهدين في حلقة جديدة من برنامج الكورد في عيون معاصرة. ضيفنا اليوم شخصية معرفية بارزة، اقتصادي ومفكر وباحث، درس التحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة بعين استقصائية وتحليل معمق. نرحب بالأستاذ سمير العيطة، أهلاً وسهلاً بك.

سمير عيطة:

أهلاً وسهلاً بكم، وشكراً على هذه الاستضافة الكريمة. يسعدني أن نناقش موضوعاً بهذه الأهمية، فالمسألة الكوردية ليست قضية طرف واحد، بل هي قضية تخص المنطقة كلها.

مقدم البرنامح:

بداية، ما هو تقييمكم لدور الكرد في المشهد المعاصر؟

سمير عيطة:

اليوم للكورد دور كبير. لكن إذا عدنا إلى التاريخ، نجد أن المنطقة كلها عاشت في إطار إمبراطوريات كبرى؛ الإمبراطورية العثمانية مثلاً، وقبلها إمبراطوريات أخرى. لم يكن هناك دول قومية كما نعرفها اليوم.
مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ظهرت الأفكار القومية: القومية الكوردية، والعربية، والتركية. لكن لا الكورد تمكنوا من تأسيس دولة قومية خاصة بهم، ولا العرب استطاعوا بناء دولة قومية موحدة. الاستعمار قسّم المنطقة إلى كيانات: سوريا، العراق، لبنان، فلسطين، وغيرها.

من هنا نشأت المعضلة بين حلم القومية من جهة، ومتطلبات المواطنة داخل الدولة الوطنية الحديثة من جهة أخرى. هذه المعضلة ما زالت قائمة حتى اليوم، سواء للكورد أو للعرب.

كيانات سياسية في العراق وسوريا

مقدم البرنامح:
كيف تنظرون إلى التجارب الكوردية الراهنة في العراق وسوريا؟

سمير عيطة:
في كوردستان العراق هناك اليوم كيان شبه مستقل ضمن دولة اتحادية عراقية. أما في شمال شرق سوريا، فقد نشأت تجربة الإدارة الذاتية. هذان الكيانان دخلا في حسابات إقليمية ودولية، ولكل منهما علاقات متباينة:

كوردستان العراق له علاقات جيدة مع تركيا وعدد من دول الخليج.

أما شمال شرق سوريا، فله علاقات أقوى مع الولايات المتحدة، لكنه على خلاف مع تركيا.

هذا يعكس تباين التجارب الكوردية، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن الكورد أصبحوا جزءاً من المعادلة السياسية في المنطقة.

مقدم البرنامج:
البعض يرى أن المعضلة الكوردية هي نتيجة سياسات الحكومات المركزية. هل تتفق مع هذا الرأي؟

سمير عيطة:
جزئياً نعم. الأنظمة الشمولية، مثل نظام البعث في سوريا، ساهمت في تفاقم المشكلة عبر التهميش وحرمان بعض الكورد من الجنسية أو الحقوق. لكن هناك أيضاً عوامل مجتمعية أعمق: الخوف من الآخر، غياب المعرفة المتبادلة، والصور النمطية التي كرّستها السلطة والتعليم والإعلام.

المجتمعات العربية والكوردية كثيراً ما جهلت تاريخ بعضها البعض. مثلاً، العلاقة بين الكورد ودمشق قديمة جداً، بل كان للكورد دور مهم في تنظيم قوافل الحج من الشام. هذه الروابط لم تُدرّس ولم تُبرز في مناهج التعليم.

مقدم البرنامج:
كيف يمكن تجاوز الصور النمطية والأحكام المسبقة بين المكونات العربية والكوردية؟

سمير عيطة:
الخطوة الأولى هي المعرفة: أن يعرف كل طرف تاريخ الآخر وثقافته. الصور النمطية تُصنع غالباً من الجهل. الإعلام والتعليم والنخب الفكرية تتحمل مسؤولية كبيرة هنا. على النخب أن تبحث عن الحلول لا أن تحوّل الكورد إلى "مشكلة" أو أداة للمزايدات السياسية.

أيضاً، هناك حاجة إلى مشروع وطني شامل يعترف بالتنوع ويحتويه، بدلاً من مقاربة ضيقة قائمة على الطائفية أو القومية وحدها.

مقدم البرنامج:
أين ترى موقع كوردستان العراق اليوم في ظل التوازنات الإقليمية؟

سمير عيطة:
كوردستان العراق يمكن أن يلعب دوراً محورياً في استقرار العراق كله. التجربة الفيدرالية، رغم كل التحديات، قدّمت نموذجاً يمكن البناء عليه لتجاوز الاستعصاء الذي يعيشه العراق منذ عقود. الإقليم استطاع أن ينفتح على العالم، ويوازن بين علاقاته الإقليمية والدولية.

مقدم البرنامج:
ما رسالتك الأخيرة حول مستقبل القضية الكوردية؟

سمير عيطة:
المسألة الكوردية لن تُحل إلا بالحوار والاعتراف المتبادل. الكورد جزء أصيل من هذه المنطقة، وحل قضيتهم بشكل عادل هو مصلحة لجميع شعوب الشرق الأوسط، عرباً وكورداً وتركاً وفرساً. إذا استطعنا تجاوز الصور النمطية وبناء مواطنة جامعة، عندها يمكن أن يكون للكورد، ومعهم باقي المكونات، دور أساسي في صنع مستقبل أكثر استقراراً وعدلاً.

 

 
 
 
 
Fly Erbil Advertisment