قرية شرتا الكوردستانية: حيث تمتزج أصالة التاريخ بعبق الطبيعة
أربيل (كوردستان24)- في قلب جبال إقليم كوردستان الشاهقة، وضمن حدود قضاء ئاكرێ (عقرة)، تتربع قرية "شرتا" كجوهرة خفية تروي قصة الصمود والارتباط العميق بالأرض. في رحلة استكشافية، يكشف برنامج "ڕێبار" الذي يبث على شاشة كوردستان24، عن تفاصيل الحياة في هذه القرية التي لا تزال تحتفظ بنبضها التقليدي رغم تحديات العصر.
موقع فريد وحياة بسيطة
تقع قرية شرتا في وادي نهلة بمنطقة زيبار الخلابة، وتتبع إداريًا ناحية دينارتة بمحافظة دهوك. الطريق إليها، الذي يشق الجبال والوديان، هو بحد ذاته مقدمة لجمال المشهد الذي ينتظر الزائر. اليوم، تسكن القرية قرابة 30 عائلة فقط، بعد أن هجرها الكثيرون، لكن من تبقى منهم لا يزال متمسكًا بنمط حياة يعتمد على ما تجود به الطبيعة.
الزراعة.. عصب الحياة وبوابة نحو العالمية
يعتمد سكان شرتا في معيشتهم بشكل أساسي على الزراعة وتربية المواشي. تنتشر في أراضيهم بساتين الفاكهة التي تزدهر في هذا المناخ الجبلي، حيث تُزرع محاصيل مروية مثل التين والمشمش والرمان، إلى جانب محاصيل بعلية كالعنب والسماق.
ويبرز السماق كمنتج استراتيجي اشتهرت به المنطقة. وبفضل الدعم الحكومي في تسويق المنتجات المحلية، لم يعد السماق مجرد محصول للاستهلاك المحلي، بل نجح مزارعو القرية في تصديره إلى أسواق عالمية في تركيا، وألمانيا، والصين، وبعض الدول العربية حسب قول الشيخ كامران زيباري، الذي قال : بعد أهتمام التشكيلة التاسعة لحكومة اقليم كوردستان بالقطاع الزراعي، الان منتجاتنا تصل الى اغلب دول العالم. هذا النجاح لم يساهم فقط في تحسين الدخل المادي للأهالي، بل وضع اسم القرية على خارطة الإنتاج الزراعي العالمي.
شرتان: "مستشفى الطبيعة" في زمن غاب فيه الأطباء
تحمل قرية شرتا في ذاكرتها تاريخًا فريدًا يجعلها أكثر من مجرد مكان للعيش. يروي كبار السن في القرية بفخر كيف كانت شرتان في الماضي بمثابة "مستشفى المنطقة" بأكملها. ففي زمن لم تكن فيه المراكز الصحية الحديثة متوفرة، كان المرضى يقصدون القرية من مناطق بعيدة، بما في ذلك من تركيا، طلبًا للعلاج على يد شيوخها وحكمائها، وخاصة من عائلة الشيخ كامران الزيباري.
كانت القرية معروفة بعلاجاتها الشعبية لمختلف الأمراض، وأبرزها مرض الصدفية. باستخدام وصفات متوارثة تعتمد على مكونات طبيعية مثل اللبن والأعشاب المحلية، تمكنوا من تقديم علاج فعال ساهم في شفاء الكثيرين، لتصبح شرتان بذلك وجهة للأمل والشفاء.
مجتمع متماسك وتقاليد راسخة
تعكس مشاهد الفيديو روح الألفة والمجتمع المتماسك الذي يميز القرية. مجالس الرجال التي تتوسطها دِلال الشاي وأطباق الفاكهة الطازجة تروي قصص كرم الضيافة الأصيل. كما يمثل مسجد القرية مركزًا للحياة الدينية والاجتماعية، حيث يجتمع فيه الكبار والصغار لأداء الصلاة وتعلم القرآن، مما يضمن انتقال القيم والتقاليد عبر الأجيال.
في الختام، تعد قرية شرتا نموذجًا حيًا للقرى الكوردستانية التي تكافح للحفاظ على هويتها وتراثها في وجه الحداثة، وتثبت أن الارتباط بالأرض والتمسك بالتقاليد يمكن أن يصنعا قصة نجاح ملهمة، من بساتين التين والعنب إلى الأسواق العالمية.
