إيجارات بـ"ثمن الحياة".. رحلة البحث عن مأوى في غزة تصطدم بشروط تعجيزية وأسعار خيالية
أربيل (كوردستان 24)- بين خيمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة في خان يونس، وركام منزل مفقود في شمال غزة، يجد آلاف النازحين الفلسطينيين أنفسهم في رحلة بحث "مستحيلة" عن شقة سكنية تقيهم برد الشتاء وقسوة النزوح.
لكن هذه الرحلة لا تنتهي بمجرد العثور على سقف، بل تبدأ عندها فصول جديدة من المعاناة تتمثل في أسعار فلكية وشروط أمنية واجتماعية يصفها الكثيرون بـ"التعجيزية".
نافذ الغوراني، أحد النازحين من حي الشيخ رضوان، يروي بمرارة كيف تحول حلمه باستئجار شقة إلى "كابوس".
فبعد أيام من البحث، اصطدم بشروط لم تخطر على باله؛ حيث يطلب أصحاب العقارات صورة الهوية للتحري عن المستأجر وسيرته الذاتية خشية انتماء أي من أفراد أسرته لفصيل فلسطيني، مما قد يجعل البناية هدفاً للقصف الإسرائيلي.
يقول: "وصل الأمر بأحد الملاك لشرط يمنعني من استقبال أي رجل في البيت، حتى لو كان شقيقي، خوفاً من الملاحقة الأمنية". هذا الهاجس الأمني حوّل الشقق المتبقية في غزة إلى حصون يخشى أصحابها حتى من "الزيارات العائلية".
تأتي هذه الأزمة في ظل واقع ميداني كارثي؛ حيث كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 92% من الوحدات السكنية في قطاع غزة قد تضررت أو دمرت بالكامل.
ومع تأثر نحو 436 ألف وحدة سكنية بالحرب، بات أكثر من 1.8 مليون نازح يفتقرون للمأوى الطارئ، مما خلق فجوة هائلة بين العرض والطلب.
من جانبهم، يدافع بعض الملاك عن تشدد في الشروط. فضل الشنطي، صاحب بناية في غزة، يرى أن التشدد "حق أصيل" لحماية حياة عائلته وبنايته.
ويقول: "الاحتلال لا ينتظر إذنًا لقصف ناشط، وحياة العائلات في البناية أمانة في عنقي. لست ضد أبناء شعبي، لكن الظروف قاهرة ولا أستطيع التضحية بالجميع من أجل شخص واحد".
وعلى الصعيد المادي، لم تنجُ الإيجارات من "حمى الارتفاع"؛ إذ قفزت أسعار الشقق من متوسط 300 دولار قبل الحرب إلى مبالغ تتراوح بين 1000 و1500 دولار حالياً، في حين يتقاضى الموظف البسيط في القطاع الخاص نحو 550 دولاراً فقط، مما جعل السكن "رفاهية" لا يطالها إلا القليل.
لا تقتصر الشروط على الانتماء السياسي، بل امتدت لتشمل "قائمة سوداء" من المهن التي يرفض الملاك التعامل معها، وفي مقدمتها الصحفيون، والأطقم الطبية، وأساتذة الجامعات، نظراً لاستهدافهم المتكرر خلال العمليات العسكرية.
كما تضمنت العقود شروطاً تتعلق بعدد أفراد الأسرة (بحيث لا يتجاوز 6 أفراد)، وتقنين استهلاك المياه الشحيحة أصلاً.
هيثم عمر، مواطن آخر يبحث عن مأوى، يصف الوضع بـ"الظلم الفادح"؛ حيث تُعرض عليه شقق شبه مدمرة ومغطاة بـ"الشوادر" البلاستيكية مقابل 600 دولار شهرياً. ويضيف بحسرة: "المنزل هو الوطن، ونحن الآن نشعر أننا بلا وطن".
ومع غياب رؤية واضحة لإعادة الإعمار أو ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار، تظل أزمة السكن في غزة جرحاً نازفاً، يضع المواطن الفلسطيني بين سندان الدمار ومطرقة الاستغلال والخوف من الموت قصفاً تحت سقف مستأجر.
غزة – كوردستان 24 (بتصرف عن جريدة الشرق الأوسط اللندنية)