تصاعد خطاب الكراهية ضد الكورد في سوريا يهدد بإشعال صراع جديد ويقوّض الحلول السياسية
أربيل (كوردستان24) – يعود خطاب الإقصاء بقوة إلى الفضاء العام في سوريا، هذه المرة بصوت أعلى وبوتيرة أكثر تطبيعا، ما يثير قلقا متزايدا لدى ناشطين وسياسيين كورد وفاعلين في المجتمع المدني، يحذرون من أن تصاعد خطاب الكراهية ضد الكورد قد يشعل صراعات جديدة ويقوض مسارات الحل السياسي.
وفي أعقاب التطورات الأخيرة في سوريا، عبرت الأوساط الكوردية عن قلق بالغ إزاء انتشار خطاب عنصري وإقصائي يصدر عن أنصار الحكومة في دمشق. ويحذر مراقبون وناشطون من أن هذا الخطاب لم يعد مجرد توتر اجتماعي عابر، بل تطور إلى مشكلة سياسية قادرة على تأجيج اشتباكات جديدة بين مكونات المجتمع السوري المتعددة.
واكتسبت القضية بعدا أكثر إلحاحا عقب الاشتباكات التي شهدتها حيا الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، حيث يؤكد العديد من الأصوات أن خطاب الكراهية المتداول في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي انعكس سلبا على تنفيذ اتفاق 10 آذار وأسهم في تعطيل جهود الحوار.
تحذيرات من مراقبي حقوق الإنسان
في حديثه إلى كوردستان24، وصف رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، الظاهرة بأنها واضحة ومتفاقمة.
وقال عبد الرحمن: "نعم، هناك تصاعد مؤكد في الخطاب العنصري والإقصائي ضد الكورد في سوريا. نحن نشهد اليوم تحريضا، بل وحتى إنكارا لوجود الكورد في البلاد، وتصويرهم على أنهم ضيوف قدموا قبل ستين عاما."
ورفض عبد الرحمن هذه الروايات، مستندا إلى مظالم تاريخية، مذكرا بأن إحصاءا استثنائيا جرى في محافظة الحسكة قبل أكثر من ستة عقود، وقبل وصول حزب البعث إلى السلطة، أدى إلى تجريد نحو 120 ألف كوردي من الجنسية السورية.
وأضاف: "نعم، هناك خطاب كراهية. وتحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية، يجري تعميم وممارسة خطاب عنصري متصاعد ضد الكورد في سوريا."
ورأى عبد الرحمن أن انهيار النظام البعثي في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، وهزيمة تنظيم داعش ميدانيا عام 2019، لم يؤديا إلى زوال الأيديولوجيات القائمة على الإقصاء والتطرف.
كما وجه انتقادات حادة لوسائل الإعلام الموالية للحكومة، قائلا: "الإعلام سلاح؛ يمكنه أن يبني الأوطان أو أن يدمرها. ما شهدناه في الأشهر الأخيرة من الإعلام الرسمي وشبه الرسمي هو تحريض واضح ضد الكورد تحت عنوان قوات سوريا الديمقراطية."
مخاوف برلمانية
من جهته، عبر محمد سيدو، عضو مجلس الشعب السوري عن المكون الكوردي، في مقابلة منفصلة مع كوردستان24 ، عن مخاوف مماثلة، معتبرا أن هذا الخطاب هو نتاج عقود من التنشئة البعثية.
وقال سيدو: "في رأيي، إن اللغة الإقصائية والعنصرية المتبادلة بين السوريين مؤسفة للغاية، وهي نتيجة ثقافة موروثة زرعها الشوفينية البعثية طوال سنوات حكمها."
وشدد على أن تصاعد الخطاب الشعبي غالبا ما يحدث في اللحظات التي تكون فيها البلاد بأمس الحاجة إلى التهدئة والحوار، محذرا من أن تنامي العنصرية والخطاب الطائفي يهددان التعايش والسلم الأهلي بشكل مباشر، ويجب التعامل معهما كجريمة خطيرة، خاصة بعد الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون وحاجتهم اليوم إلى إعادة بناء وطنهم.
ورغم ذلك، عبر سيدو عن تفاؤل حذر، قائلا: "أنا مقتنع بأن السوريين، إلى جانب الحكومة الانتقالية الحالية، قادرون على تجاوز هذه المرحلة والقضاء على بذور الفتنة العنصرية والطائفية."
احتفالات عامة وردود فعل اجتماعية
وتصاعد الجدل بعد تنظيم فرع دمشق لاتحاد الطلبة والشباب الديمقراطي الكوردي – روجآفا احتفالا بمناسبة يوم العلم الكوردستاني، برعاية قناة كوردستان TV، وهو ما أثار ردود فعل متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدين ومعارضين.
وقال عمر صالح عمر، رئيس فرع الاتحاد في دمشق، لـكوردستان24 ، إن التحول في الخطاب بات واضحا.
وأضاف: "نعم، هناك تغير ملحوظ في لهجة بعض وسائل الإعلام والمساحات الرقمية. المصطلحات الإقصائية والعنصرية التي كانت قد تراجعت نسبيا بدأت تعود من جديد."
وحذر من أن هذا الخطاب لم يعد هامشيا، موضحا: "أصبح حاضرا في النقاشات العامة، ما يشير إلى تطبيع خطير للغة الإقصاء ضد الكورد."
وربط عمر هذا الخطاب بالتطورات الميدانية، ولا سيما في حلب، مشيرا إلى أن آثاره باتت ملموسة في الحياة اليومية، من خلال التمييز والقيود غير المعلنة واللغة المهينة، التي تنعكس أحيانا في سلوك بعض المؤسسات المحلية في المناطق المختلطة.
وعزا هذا التصاعد إلى حالة الجمود السياسي وتراكم المظالم الاجتماعية وممارسات إعلامية تقوم على التعبئة لا على التهدئة.
وقال: «هذا الخطاب يخدم قوى لا مصلحة لها في استقرار سوريا أو في بناء دولة ديمقراطية. إذ إن تأجيج الصراع العربي–الكوردي يضعف المجتمع ويبقي الصراع مفتوحا."
عفرين والدعوة إلى فتح صفحة وطنية جديدة
من عفرين، المنطقة الكوردية الوحيدة الخاضعة لسلطة الإدارة الانتقالية، شدد أحمد حسن، رئيس المجلس الوطني الكوردي فرع عفرين، على أهمية التنوع السوري.
وأكد حسن أن إعادة بناء سوريا لا يمكن أن تتم دون شراكة حقيقية في السلطة والثروة، داعيا إلى طي صفحة الماضي بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وقال: "الصفحة الجديدة يجب أن تقوم على التسامح والمصالحة والتعاون"، مطالبا بدستور حديث، وحكومة انتقالية، وانتخابات حرة.
وحذر من أن إنكار أي مكون سوري يشكل تهديدا للمشروع الوطني بأكمله، مضيفا: "الاختلاف غنى وليس ضعفا"، وداعيا إلى نظام فيدرالي ديمقراطي برلماني يضمن الكرامة والحرية للجميع.
تصعيد على الأرض
بدوره، ربط محمد أمين، من مكتب العلاقات في مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، بين خطاب الكراهية والتطورات الميدانية في حلب وغرب كردستان (شمال شرق سوريا)، مؤكدا أن التحريض الإلكتروني ترجم إلى انتهاكات فعلية على الأرض.
وأشار إلى أن هذا الخطاب كان من بين العوامل التي ساهمت في الهجمات التي وقعت قبل 6 تشرين الأول/أكتوبر، ثم مجددا في 22 كانون الأول/ديسمبر، موضحا أن ما بدأ على المنصات الرقمية سرعان ما انعكس ميدانيا.
وأكد أمين أن خطاب الكراهية، إلى جانب عوامل سياسية أخرى، أسهم في تعبئة الشارع وتعميق الانقسامات، خاصة مع وجود أجندات إقليمية تستغل هذه السرديات.
وانتقد بشدة الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، واصفا إياه بأنه سلبي واستقطابي بدلا من أن يكون جامعا، معتبرا أن أي تقارب سوري سيبقى مستحيلا ما لم تتحمل الدولة مسؤولياتها عبر حوار وطني حقيقي، ودستور شامل يضمن الحقوق الثقافية واللغوية، وشراكة فعلية بين جميع المكونات السورية.
مواقف حزبية
من جانبه، أرجع حنان سيدو، عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، جذور خطاب الكراهية إلى سياسات حزب البعث، معتبرا أنه تفاقم بعد انهيار النظام السابق.
وقال إن احتكار السلطة من قبل الجهة الحاكمة الحالية، دون مشاركة حقيقية لبقية المكونات السورية، عمق مشاعر التهميش لدى الكورد والعلويين والدروز والمسيحيين والآشوريين والتركمان.
وأضاف أن وسائل التواصل الاجتماعي فاقمت المشكلة، عبر إتاحة المجال لأصوات غير خاضعة للمساءلة، سواء كانت موالية للحكومة أو لجهات أخرى، لإشعال التوترات.
وحذر من أن الفوضى السياسية والأمنية ستترك أثرا سلبيا على مستقبل التعايش، ما لم يطلق حوار وطني شامل يفضي إلى دستور حديث يعترف بتنوع سوريا ويجرم خطاب الكراهية.
وأكد أن إنقاذ سوريا يتطلب رؤية سياسية متوازنة تجاه الكورد، والاعتراف بهويتهم، وضمان حقوقهم الوطنية والسياسية ضمن دولة سورية ديمقراطية متعددة القوميات.
مسار هش إلى الأمام
يحذر مراقبون سياسيون من أن استمرار دمشق وأنصارها في الخطاب الاستفزازي سيزيد من تعقيد الحل السياسي في سوريا. ويرون أن تصاعد خطاب الكراهية يهدد الأخوة الاجتماعية والاستقرار الإقليمي.
وعلى امتداد المقابلات، برزت رسالة واحدة مشتركة: من دون مواجهة الخطاب الإقصائي وإعادة بناء الثقة عبر حوار شامل، فإن النسيج الاجتماعي السوري الهش مهدد بمزيد من التآكل.