سكان شوارع أربيل القديمة يحيون نبض مدينتهم
تعتبر قلعة أربيل مركز هذه المدينة العريقة ونقطة تجمّع يومي لسكانها وللسيّاح في الوقت نفسه، فلا يمكن لسائح أن يزور إقليم كوردستان ألّا ويمرّ بهذه القلعة ويشتمّ رائحة الحضارة التي تعبق في ساحتها.

أربيل (كوردستان 24)- تعتبر قلعة أربيل مركز هذه المدينة العريقة ونقطة تجمّع يومي لسكانها وللسيّاح في الوقت نفسه، فلا يمكن لسائح أن يزور إقليم كوردستان ألّا ويمرّ بهذه القلعة ويشتمّ رائحة الحضارة التي تعبق في ساحتها.
هذه الرائحة التاريخية تصل إلى الشوارع المحيطة بالقلعة الأثرية وأزقّتها التي تروي خبايا سنوات طويلة، شوارع تحكي تاريخاً عريقاً...فما هي أبرز الشوارع الأثرية في أربيل؟

في أربيل أكثر من 110 تلال ومواقع أثرية يمتد تاريخها من العصور القديمة وحتى الفتح الإسلامي، ومن أهم معالمها الأثرية قلعة أربيل وتلال سيد أحمد والمنارة المظفرية.
وإذا عدنا بالتاريخ، يؤكد المؤرّخون أن مدينة أربيل توسّعت بشكل ملحوظ من بعد السبعينيّات وتم بناء الآلاف من البيوت.

وكان لمدينة أربيل محلات سكنية محدودة مثل القلعة وابن المستوفي - طيراوة) والتعجيل وخانقاه والعرب القديمة والسوق القيصري؛ وهو كان المكان الوحيد للتسوق والتجارة وممارسة المهن والحرف.
في جولة ميدانية قام بها فريق موقع كوردستان 24، تعرّفنا أكثر إلى هذه الأحياء وقابلنا سكّانها، أناس طيّبين، كرماء النفس، اقتربنا من أحد أصحاب محال للخضار في حي العرب ، فالتفّ الجميع لمساعدتنا وللحديث عن محلّة العرب، منطقتهم القديمة التي يتمسّكون بها رغم بناء منطقة جديدة في الشارع المقابل، ولكنّهم مصرّون على البقاء هناك إلى دهر الداهرين.

حي العرب من أحياء المدينة القديمة ومن أهم المناطق السكنية في أربيل، يقع وسط المدينة ويعكس المحبة والتآخي لكل اطياف الشعب العراقي.
يكشف ياسين عبد الخالق، وهو صاحب محل سمانة أنه من محلّة العرب القديمة وتحديداً منذ الستينيات فهو مواليد سنة 1957، رغم المنطقة الجديدة لمحلّة العرب ولكنه موجود في الحي القديم حيث قلبه وذكرياته، وهناك عدد من السكان لا يزال يعيش في هذه المنطقة التي يفوق عمرها الـ100 سنة، وفي الشارع ذاته جامع باشا وعمره 132 سنة بحسب قوله.

ويروي ياسين أن الإلفة والمحبة تجمع السكان، حيث يشدد على أن أولادهم والمواطنين الذين خرجوا من هناك لا يمكن إلّا أن يزورا المنطقة كل يومين، حتى لو لمجرّد السلام.
مرتاحون هنا...عبارة ردّدها ياسين وزملاؤه أكثر من مرّة، حين تجمهر عدد منهم خلال حديثنا معهم، حتى لو كانت المنطقة متروكة ولكنها كنزهم الذي لا يتخلّون عنه، كما ويشيد بالأمان الموجود ومحبّة الجميع، كذلك بعدم وجود مشاكل أبداً.

بالقرب من القلعة، تقع منطقة تعجيل وسط مدينة أربيل...مبانٍ قديمة، أزقّة ضيّقة، تتميّز بخصوصيّتها وطابعها الشعبي، ولعلّ أهالي منطقة تعجيل وجوارها كباراً وصغاراً ومن مختلف الطوائف يلتقون دائماً في المناسبات ليلتمّوا في المقاهي والمطاعم خصوصاً في شهر رمضان.
إلى محلّة خانقاه وهي من أقدم الأحياء الشعبية التركمانية القديمة في المدينة، جاءت التسمية من إحدى الخانقاهات التي بناها السلطان مظفرالدين حيث كان السلطان يحب الصدقة وبناء المدارس والبيمارستانات(أي المستشفيات) ودور ألأيتام والعجزة، ولكن بعد هجمات المحتلين، تدمّرت بعض الأحياء كمحلة خانقاه ومحلة درب المنارة التي كانت قريبة من المنارة المظفرية في ذلك العهد.

تضمّ هذه المحلة مساجد عدة ولعلّ مسجد خانقاه الخالدية هو من أبرز المعالم الموجودة حتى اليوم وهو أكبر أقدم رابع مسجد بُني في مدينة أربيل أيام الدولة العثمانية، وأحدّ أهم المراكز الدينية لأتباع الصوفيّة.
هناك التقينا خليل عثمان الذي لفتنا زيّه الكوردي التراثي وهو يتجوّل في الأزقة القديمة، اقتربنا منه لنسأله أكثر عن المنطقة، ليشير إلى أن المنطقة عمرها تقريباً 200 سنة، تحوّلت إلى منطقة أثرية خفّ سكانها، وشدّدد على أن هذه المنطقة ستصبح تماماً مثل لبنان وستنهض من جديد عمرانياً.
رغم أنها متروكة، إلا أنها لا تزال خانقاه مسكونة حتى أن العمارات مرقّمة، حتى أنه دلّنا على منزل صغير وضيّق كانت تسكنه عائلات كبيرة حتى الغرف الضيّقة كان ينام فيها نحو عشرة أشخاص، وكشف خليلي أن العائلات بمعظمها اتجهت إلى المناطق الجديدة قرب سوق القلعة.

"صحيح أن لا مال لدينا ولكنا لدينا المحبة وهذا أهم شيء"....يختم حديثه معنا...
على بعد أمتار قليلة قرب قلعة أربيل، تقع منطقة طيراوه (نسبةً لطاهر آغا)، وفيها أشهر أسواق أربيل وأقدمها وهو سوق طيراوه الذي بين محلتي طيراوة وابن المستوفي، حيث يتم بيع مختلف أنواع البضائع: الألبسة ، اللحوم، الأسماك، الفاكهة والخضار الطازجة وغيرها...
وكما الأماكن الشعبية الأخرى التي ذكرناها أعلاه، تتميّز هذه الأحياء التي لا تزال تحافظ على طابعها، بجمع أبناء المنطقة ليتبادلوا الأحاديث ويسترجعوا الذكريات الجميلة في جو من الإلفة في ظل تنوّع روّاده من كورد وعرب.
نكمل الجولة مع شارع سلطان مظفرالدين الكوكبورو، يسمّى أيضاَ بشارع المظفرية المسمى باسمه، تعظيماً له وتثميناً لدوره الكبير في حفظ وبقاء وتطوير المدينة، حيث يعتبر السلطان مظفرالدين، أبو سعيد مظفرالدين التركماني (كما يسميه ابن خلكان، المؤرخ الذي عاصر حكمه)، أوّل من اقترح وأقام الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في أرجاء الدولة الإسلامية وأوّل من جلب الى إمارته الموسيقى والمنشدين الدينيين حيث كانت الموسيقى تعتبر محرماً قبل ذلك.

وأخيراً مع الأسواق الأثرية والتحف التاريخية، حيث لا يمكننا إلاّ أن نذكر سوق القيصرية أو السوق الكبير الذي يقع وسط مدينة كوية، وهو مقصد للزوار والمؤرّخين ويصفه الكثيرون بالسوق الأساسي لأربيل الذي بُني منذ نحو 200 سنة ويتميّز بمعالمه حيث له أكثر من 10 مداخل فيه مداخل وأزقّة مقوّسة قديمة، ويحتوي على آثار تاريخيه قيّمة بالإضافة إلى الحاجيات اليومية التي يمكن تبضّعها هناك.
جولة أعادنا إلى عصور قديمة ذهبية، تاريخ لن يضمحلّ بوجود مدينة تحافظ على حضارتها وتراثها، والأهمّ عصب تلك الأحياء القديمة، سكان يرفضون التخلي عن تراب أرضهم مهما توسّع العمران وأغراهم.
من نيكول يوحنا