الاغتيالات السياسية في لبنان.. إرث الدم بين حافظ وبشار الأسد

أربيل (كوردستان 24)- على مدى نصف قرن، شكل الوجود السوري في لبنان ظلاً ثقيلاً على المشهد السياسي، حيث لعبت دمشق دورًا محورياً في صعود وسقوط الزعماء اللبنانيين. وبينما أُنتجت تحالفات وأُقصي قادة، ظل شبح الاغتيالات السياسية يخيم على البلاد، مع اتهامات مباشرة لنظامي حافظ الأسد وابنه بشار بالتورط في تصفية معارضين بارزين.

في حوار مطول أجرته صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية مع الوزير والنائب اللبناني السابق مروان حمادة، حيث تطرق فيه إلى تفاصيل دقيقة عن الدور السوري في لبنان والاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد.

في سلسلة من التصفيات السياسية، كان مصير من تحدى الأسد الأب أو الابن محفوفًا بالمخاطر. اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، ثم بشير الجميل عام 1982، وبعده الرئيس رينيه معوض في 1989، جميعها حملت بصمات المخابرات السورية، وفق ما يرى كثيرون.

وليد جنبلاط خلال تأبين والده كمال عام 1977

لكن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005 مثّل ذروة هذا المسار الدموي، خاصة مع الاتهامات المباشرة التي وجهت للنظام السوري وحلفائه في لبنان.

مروان حمادة، الوزير والنائب اللبناني الذي نجا بنفسه من محاولة اغتيال في أكتوبر 2004، يروي أن اغتيال الحريري كان رسالة مزدوجة له ولوصديقه وليد جنبلاط، في وقت كانت دمشق تفرض إرادتها السياسية على بيروت عبر فرض التمديد للرئيس إميل لحود، رغم معارضة قوى سياسية بارزة.

إذا كان عهد حافظ الأسد شهد سيطرة مطلقة على القرار اللبناني عبر القتل والترهيب، فإن عهد ابنه بشار لم يكن أقل دموية. رغم الاضطرابات الداخلية التي ضربت سوريا منذ 2011، استمرت آلة التصفيات السياسية، ولو بأساليب مختلفة.

حافظ الأسد مع معمر القذافي (فرانس برس)

يرى حمادة أن النظام السوري لم يكن يتسامح مع أي زعيم لبناني يطمح إلى استقلال القرار الوطني، وهو ما جعله يقف خلف تغييب الإمام موسى الصدر، ودعم فصائل لبنانية لزعزعة استقرار القوى التي لا تخضع له.

ويشير حمادة إلى أنه التقى بشار الأسد قبل شهر من محاولة اغتياله، حيث لم يكن التوتر ظاهرًا، لكن تحت السطح كانت معركة النفوذ قد بدأت، خصوصًا مع تصاعد الضغوط على رفيق الحريري ووليد جنبلاط للقبول بالتمديد للحود.

لم تكن السياسة السورية في لبنان محصورة بالاغتيالات، بل امتدت إلى التحكم في مفاصل الدولة، ومنع أي استقلالية للقرار اللبناني. وبحسب حمادة، فإن حافظ الأسد كان يعتبر لبنان جزءًا من نفوذه الجغرافي، ولم يكن يقبل بقيام دولة قوية فيه.

آثار الانفجار الذي قتل الرئيس اللبناني الأسبق رينيه معوّض عام 1989

لكن رغم محاولات التصفية والترهيب، أثبتت الأحداث أن الهيمنة السورية على لبنان لم تكن مستدامة. فمع اغتيال الحريري وانطلاق ثورة الأرز في 2005، اضطرت دمشق إلى سحب جيشها من لبنان، لكنها تركت وراءها إرثًا من الفوضى السياسية والاغتيالات التي لم تتوقف.

بين حكم حافظ الأسد وبشار الأسد، كان الاغتيال السياسي أحد الأدوات الأبرز لترسيخ النفوذ السوري في لبنان.

ومع أن مرحلة الوجود العسكري السوري انتهت رسميًا، فإن تداعيات هذا التاريخ الدموي لا تزال تلقي بظلالها على لبنان، الذي لا يزال يعاني من التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية التي أسس لها عهد الأسد الأب واستمر بها الأسد الابن.

بشار الأسد ووليد جنبلاط