كويسنجق.. مدينة صغيرة تحمل عبق تاريخ عظيم

أربيل (كوردستان 24)- رغم حجمها المتواضع، تحتفظ مدينة كويسنجق بمكانة محورية في الذاكرة الكوردية؛ إذ كانت عبر التاريخ مركزًا حضريًا وثقافيًا بارزًا، ومقرًّا لتلاقح الأفكار والتجارة، بفضل موقعها الجغرافي بين جبال باواجي وهيبت السلطان وسهول هامون وكويسنجق. المدينة التي يعني اسمها "اللواء"، احتضنت تحت رايتها عدة نواحٍ ومراكز، لتكون قطبًا مشرقًا في قلب كوردستان.

بدأ فريق كوردستان24 رحلته من السوق القديم، حيث ما تزال الأزقة تحتفظ بأصوات الماضي. في الشارع الرئيسي، جذبتنا أعمدة حجريّة تحمل شواهد تاريخية، إحداها تشير إلى حادثة إعدام مؤلمة لستة من أبناء المدينة عام 1963 على يد النظام البعثي، لتبقى شاهدة على فظائع طالت المدنيين العزّل.

وعلى مقربة من السوق، يقع الجامع الكبير، أحد أقدم معالم المدينة، والذي يعود تأسيسه إلى عام 1844. يحتفظ المسجد بعناصره المعمارية التاريخية من القبة المزينة بالآيات، إلى الأعمدة الرخامية المستقدمة من الشام، والمنبر الحجري الذي بقي صامدًا أمام تغيّر الأزمنة.

من المسجد، يقودنا ممر إلى القيصرية القديمة، حيث تتوزع المحال الصغيرة على جنبات السوق. البضائع من عطور وملابس وأطعمة تقليدية تعبّر عن نبض الحياة في كويسنجق، فيما يحافظ الحرفيون على مهن قديمة تكاد تنقرض. هناك، طعم الشاي والكباب لا يشبه غيره، والحنين يختبئ خلف الرفوف القديمة.

وبين القيصريات، تبرز "قيصرية حاجي بكر آغا حويزي"، التي شُيدت عام 1840، وتضم أكثر من 90 محلًا تجاريًا، وما تزال تستخدم حتى اليوم لتصوير مشاهد درامية تحاكي حقبًا مضت، لما تحمله من تفاصيل معمارية عتيقة.
في شرق السوق، يقع خان محمود آغا، أحد أقدم خانات المدينة الأربعة. بمساحة تفوق الألفي متر مربع، يتألف الخان من طابقين و64 غرفة. بُني من الحجر والجبس والخشب، وزُيّن بزخارف مرمرية بديعة، وكان في الماضي مكانًا لإيواء التجار ومبيت القوافل، لكنه اليوم يعاني من الإهمال.

وفي قلب الخان، وُضع نصب تذكاري يخلّد مكان تجمع القوافل الذي عرفته المدينة خلال العهد العثماني، وسمّي "كاروان سراي"، ليبقى شاهدًا على مكانة كويسنجق الاقتصادية كمركز استراتيجي بين مدن أربيل وكركوك والسليمانية ورانية.

اختتمنا جولتنا من داخل محلة بايز آغا وهواوان، وهما من أقدم محلات المدينة. هناك، الأزقة ما تزال صامدة، بعضها يؤدي مباشرة إلى القيصرية. ومن بينها بيت "ملا كوره"، الذي يُعد من أبرز بيوت كويسنجق التاريخية، إلى جانب بيت "ملا عبد المجيد"، الذي رمم ليكون متحفًا تراثيًا يعكس نمط حياة قبل 250 عامًا.

المنزل مبني من الطين والنورة والخشب، بطابقين وساحتين. نافورة سداسية تتوسط الباحة، والغرف مزودة بمشكاوات وسقوف طينية تقليدية، تم تحديثها جزئيًا. ومن شرفة الطابق العلوي، تطل المدينة القديمة بنسختها الأصلية، قبل أن تغيرها الخرائط الحديثة.

إعداد وتقديم: محمد التميمي – كوردستان24

 
Fly Erbil Advertisment