مجزرة دكان… ذاكرة الألم التي لم تندمل منذ 56 عاماً

أربيل (كوردستان24)- في الثامن عشر من أغسطس/آب من كل عام، تعود الذكريات المثقلة بالأحزان على أهالي قرية دكان في قضاء شيخان بمحافظة دهوك، حين ارتكب الجيش العراقي واحدة من أبشع المجازر عام 1969، راح ضحيتها 75 مدنياً معظمهم من النساء والأطفال، بعدما احتموا داخل كهف قريتهم هرباً من الهجوم، ليجدوا الموت والحريق في داخله.
شهادات من قلب المأساة
نوزاد دكاني، أحد الناجين من العائلة المفجوعة، يستحضر المشهد بمرارة، "هذه المأساة مؤلمة جداً، 75 فرداً من عائلتنا استُشهدوا. نأتي اليوم لنرى رفاتهم وعظامهم، لكننا لا نستطيع احتمال الحزن، فقد تركت المأساة فينا جروحاً لا تلتئم."
داخل الكهف الذي تحوّل إلى مقبرة جماعية، ما زالت آثار النار شاخصة على الجدران، فيما لم تُجمع بقايا العظام كلها. هناك يفقد نوزاد قدرته على الوقوف، إذ تعود إليه صور الفاجعة وكأنها حدثت بالأمس.
كمال يعقوب، الذي فقد شقيقين في المجزرة، يقول، "نحن نفتخر بشهادة أهلنا الذين ضحّوا من أجل القضية الكوردية، لكن قريتنا بقيت مدمرة منذ خمسين عاماً. نتمنى أن تُعمر مثل باقي القرى، فالذاكرة وحدها لا تكفي."
الكهف شاهد أبدي
المكان الذي شهد الجريمة ما زال يحفظ رائحة الموت، إذ بقيت آثار الحريق وبقايا الجثث شاهدة صامتة على ما جرى. كل من يزور الكهف يتلمس حجم المأساة التي عاشها سكان القرية في ذلك اليوم المشؤوم.
مأساة بلا نهاية
المجزرة لم تكن مجرد حادثة قتل جماعي، بل محاولة لاقتلاع حياة قرية بأكملها. ورغم مرور أكثر من نصف قرن، ما زال الناجون وعائلات الضحايا يعيشون مع الجرح المفتوح، يستذكرونه سنوياً كي لا يسقط من ذاكرة الأجيال.
يذكر انه بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في العراق عبر انقلاب عسكري في 17 تموز/يوليو 1968، شرع قادته الجدد في إطلاق وعود لحل القضية الكوردية عبر المفاوضات، لكن سرعان ما تبين أن تلك الوعود لم تكن سوى وسيلة لكسب الوقت وترسيخ سلطتهم. فبدلاً من تلبية مطالب ثورة ايلول الكوردية التي اندلعت منذ بداية الستينات، استأنف النظام هجماته العسكرية ضد مواقع الپیشمرگة مع أواخر العام نفسه.
بين آب وتشرين الثاني 1968 شن الجيش العراقي سلسلة من الهجمات في مناطق متعددة من كوردستان، من بينها قضائي آكري (عقرة) وشيخان، حيث ارتُكبت جرائم دامية بمشاركة مسلحين مرتزقة. وكانت من أبرز تلك الجرائم مجزرة كهف دكان.
قرية دكان قبل المأساة
كانت دكان قرية هادئة تقع قرب نهر خازر على سفوح جبل خيري في منطقة شيخان. بلغ عدد سكانها نحو 20 إلى 30 عائلة تعتمد على الزراعة، وتشتهر ببساتين الزيتون والفواكه. الحياة فيها كانت بسيطة، حتى جاء الهجوم الذي بدّل وجهها إلى الأبد.
هجوم واسع النطاق
في منتصف آب 1969، وبعد عام واحد فقط من حكم البعث، شن الجيش العراقي هجوماً عسكرياً واسعاً على منطقة آكري(عقرة) – شمكان، استهدف قرى عديدة منها: بلان، تله، ميرسيدا، سركاف، خورت، دكان، نيروك، باسفرين وبيري عند سفوح جبل خيري.
شارك في العملية مئات المرتزقة من بعض العشائر إلى جانب قوات الجيش المدججة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، وتولى الإشراف على الحملة وزير الداخلية حينها صالح مهدي عماش، بينما قاد العمليات الميدانية عبدالجبار الأسدي، قائد الفرقة الرابعة. كما دعمت المدفعية والطائرات الهجوم بقصف جوي كثيف أحرق الأخضر واليابس على حد سواء.
رغم المقاومة التي أبداها مقاتلو الپیشمرگة بأسلحة خفيفة محدودة، فإن القرى الكوردية تعرضت لدمار واسع، وكانت مجزرة كهف دكان من أكثر الجرائم وحشية في تلك الحملة.
تقرير : آري حسين – كوردستان24 – قرية دكان

