"حي الكورد" في الموصل.. ذاكرة مهجورة وأبواب موصدة تروي حكاية "عراق مصغّر"

أربيل (كوردستان24)- في أزقة مدينة الموصل القديمة، التي لطالما عُرفت بلقب "العراق المصغّر" لتنوع مكوناتها، تقف الأبواب المغلقة والمنازل المهدمة في حي "دركزلية" شاهدة صامتة على غياب أحد أبرز مكوناتها التاريخية. هنا، في ما كان يُعرف بـ"حي الكورد"، لم يتبق سوى الذكريات وجدران تروي حكاية التهجير والغياب.

أبواب المنازل الكوردية في حي دركزلية، بعضها موصد بالأقفال والسلاسل الصدئة، وبعضها الآخر تُرك لمصيره، لتصبح ملاذاً للقطط الشاردة، في مشهد يعكس رحيل أصحابها. لأكثر من خمسين عاماً، كان هذا الحي مركزاً نابضاً بالحياة للكورد في الموصل، لكن وصول تنظيم داعش وما تلاه من حرب مدمرة، دفع سكانه إلى النزوح، ولم يعد منهم إلا القليل.

يقول الصحفي الذي أعد التقرير وهو يتجول في الحي: "هنا كان يُعرف بـ'حي الأكراد'، لكن بعد مجيء داعش، لم يبقَ كوردي واحد".

رغم الخراب، لا تزال ذاكرة المكان حية في أذهان من تبقى. "أبو عماد"، أحد السكان القلائل الباقين، يجلس بحسرة ويقول: "إن شاء الله نرجع، هذه منطقتنا ومحلتنا". يستذكر الماضي بأسف قائلاً: "في السابق، كانت غالبية سكان هذه المنطقة من الكورد، لم يكن هناك أحد غيرهم، لكنهم رحلوا جميعاً".

دور تاريخي وحاضر متغير

لم يقتصر الوجود الكوردي على حي دركزلية فقط، بل كان للكورد دور حيوي ومهم في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمدينة. في سوق النبي يونس، الذي كان يُعرف قديماً بـ"سوق الكورد"، يتحدث أصحاب المحال عن هذا التاريخ.

يقول أحد أصحاب المتاجر الذي قضى 47 عاماً في هذا السوق: "العديد من الأحياء كانت كوردية بالكامل، أما الآن، فلم يتبقَ منهم في هذا السوق إلا أنا". وعن أسباب هذا الغياب، يضيف بحسرة: "بسبب الحرب، هرب الجميع من هنا. لم يعد هناك عمل، وأنت تعرف ما تفعله الحرب. البعض كان يملك عقاراته، والبعض كان مستأجراً، فاضطروا جميعاً للمغادرة". وعند سؤاله عن عدد الكورد المتبقين، يجيب: "قليل جداً".

تغيير ديموغرافي بالأرقام

وفقاً للبيانات الرسمية، كانت نسبة الكورد تشكل ما يصل إلى 30% من سكان الموصل قبل عام 2003. لكن بعد سنوات من عدم الاستقرار، وخصوصاً بعد حرب داعش التي كان للكورد دور رئيسي في مواجهته، تغير المشهد الديموغرافي بشكل جذري. فمن بين آلاف العائلات الكوردية التي كانت تقطن المدينة، لم يتبقَ اليوم سوى عدد يُعد على أصابع اليد.

وبسبب انعدام الأمن والاستقرار الذي لا يزال يخيم على المدينة، اختارت الغالبية العظمى من الكورد النزوح إلى مناطق أكثر أمناً، تاركين وراءهم تاريخاً عريقاً وبيوتاً تنتظر عودتهم. 

تقرير : جكدار جمال – كوردستان24 - الموصل

 
 
Fly Erbil Advertisment