تسوركوف تروي القصة الكاملة لاختطافها في العراق
أربيل (كوردستان24)- سردت إليزابيث تسوركوف (38عاماً) التي تحمل الجنسيتين الروسية والإسرائيلية، قصة اختطافها في العراق وما تعرضت له، وعملية اطلاق سراحها.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير لها اطلعت عليه كوردستان24، أن “تسوركوف عانت عامين ونصف من الاختطاف في العراق، حيث احتجزتها جماعات مسلحة في زنزانة انفرادية”.
ونقلت الصحيفة عن تسوركوف، قولها، إنها “كانت بمثابة ماراثون من العذاب النفسي، لكن أشدها إيلاماً الأشهر الأولى، حيث تعرضت للضرب المتكرر على يد خاطفيها”، وكما تقول: “جلدوني في كل مكان، واستخدموني ككيس ملاكمة”.
وبالكاد تستطيع تسوركوف، الجلوس بسبب إصاباتها، وتحدثت وهي مستلقية في منزل صديقتها، حيث كانت رعشة الألم تُجبرها أحياناً على تغيير وضعيتها. وفقاً للصحيفة.
وبحسب نيويورك تايمز، لدى تسوركوف إصابات بالغة ناجمة عن التعذيب، مشيرةً إلى أنها “بحاجة إلى تأهيل جسدي ونفسي طويل الأمد في ضوء الأضرار البالغة والصدمات النفسية المعقدة”.
ويؤكد مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون أن “جماعات مسلحة اختطفتها وعذبتها، رغم أنهم لا يعرفون كل التفاصيل”.
وقال مكتب رئيس الوزراء، إنه “ملتزم بمحاسبة أي طرف أو فرد متورط في أعمال الاختطاف أو التعذيب”.
وسرعان ما انقلب مصيرها تحت وطأة الضغوط الدبلوماسية، حيث ضغطت إدارة ترامب على كبار المسؤولين العراقيين بشأن قضيتها، وأرسلت مبعوثين إلى بغداد.
وبعد إخلاء سبيلها رافقها رجل الأعمال وصديق ترامب، مارك سافايا، الذي لعب دوراً محورياً، قبل أن يصبح المبعوث الخاص إلى العراق، على متن رحلة جوية إلى قبرص، حيث نُقلت إلى طائرة عسكرية إسرائيلية.
وقالت تسوركوف: “أعتقد حقاً أنني كنت سأموت لو لم يشاركوا معي بمثل هذا القدر من الثبات والتصميم المذهل”.
وكان قرار تسوركوف بدخول العراق غير عادي بالنسبة لإسرائيلي، وكان محفوفاً بالمخاطر.
إسرائيل والعراق دولتان معاديتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية، لكن تسوركوف زارت العراق عدة مرات، وقالت إنها كانت تتخذ دائماً احتياطاتها: السفر بجواز سفرها الروسي، وتقديم نفسها على أنها روسية، وتجنب الاتصال بالجماعات المسلحة.
كيف ومتى اختطفت؟
ففي 21 آذار مارس 2023 خططت تسوركوف للقاء امرأة في مقهى حوالي الساعة التاسعة مساءً وسط بغداد.
وعرّفت المرأة بنفسها عبر واتساب، طالبةً المساعدة في البحث عن تنظيم داعش، وقالت إن لديهما صديقاً مشتركاً. لم تحضر المرأة وبالنظر إلى الماضي، ظنت تسوركوف أن الموعد كان فخاً.
بينما كانت تسير إلى منزلها، توقفت سيارة دفع رباعي سوداء بجانبها، وأجبرها عدة رجال على الجلوس في المقعد الخلفي.
وقالت، إنها “استنجدت وحاولت الهرب، لكن الخاطفين ردوا عليها بالضرب”، مبينة: “بدأوا يلوون خنصري، وكادوا أن يكسروه. لذا ظننتُ أن المقاومة لا طائل منها”.
وأثناء اختطافها، قيد الخاطفون يديها ووضعوا كيساً على رأسها، ثم صادروا هاتفها وأوقفوها وأجبروها على دخول صندوق السيارة بعد حوالي نصف ساعة من اختطافها، حيث وصلوا إلى منزل كبير، حيث قضت الأشهر الأربعة والنصف في غرفة بلا نوافذ وبها كاميرتان، وكانت تعاني من سوء التغذية وتعيش بمفردها. بحسب ما نقلته الصحيفة الأمريكية.
ولم يكن خاطفوها على علم بأنها إسرائيلية، وبدا أنهم اختطفوها طلباً لفدية، على حد قولها.
وبعد شهر من أسرها، تدهور وضعها عندما عثروا على دليل على هويتها الإسرائيلية على هاتفها.
واتهموها بأنها جاسوسة إسرائيلية، وهو ما نفتْه هي والمسؤولون الإسرائيليون الذين تحدثوا إلى صحيفة نيويورك تايمز نفياً قاطعاً.
وتتابع ستوركوف حديثها قائلةً: “توسلت إليهم أن يقرأوا منشوراتها ومقالاتها العديدة على الإنترنت، الداعمة لحقوق الفلسطينيين والمنتقدة للحكومة الإسرائيلية. لكنهم لم يقتنعوا”.
وعندما لم تعترف، قالت إنها تعرضت “للتعليق والتعذيب”، مشيرة إلى إنها سرعان ما بدأت في إعطاء خاطفيها اعترافات ملفقة لوقف الضرب.
وركّزت على اختلاق “اعترافات” مقنعة لا تُعرّض العراقيين للخطر، كان أولها أنها التقت بصحفي فرنسي في مقهى ببغداد قبل عامين لتنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة.
وبدا أن محققيها قد اقتنعوا بذلك، بعد أن أخبرتهم بالقصة، أنزلوها من الإيقاف، وسمحوا لها بالجلوس، وأطعموها، وطلبوا منها أن ترتاح.
وقالت تسوركوف، إن “أحد أسوأ أيام التعذيب التي تعرضت لها كان في يوليو تموز 2023، عندما سألها الخاطفون عن خدمتها في إسرائيل، كذبت على خاطفيها، خوفاً مما قد يحدث إذا عرفوا الحقيقة”. وقالت إنها ” خدمت في مستشفى، وصرحت لصحيفة التايمز بأنها كانت مجندة برتبة منخفضة في مديرية الاستخبارات العسكرية قبل عقدين من الزمن”.
ونقلت الصحيفة عن تسوركوف، قولها، إن “اثنين من السجانين ضربوها مراراً وتكراراً، حتى قالت الحقيقة في النهاية”، بينما يهددها السجّان بمحاولات “اغتصاب” لم ينفذها.
وفي 5 تموز 2023، أصدرت الحكومة الإسرائيلية أول اعتراف علني باختطاف تسوركوف، قائلة: “نحن نحمل العراق مسؤولية مصيرها وسلامتها”.
خاطفون جدد
وبعد شهر، تم نقلها دون سابق إنذار أو تفسير إلى مكان آخر.
وقالت: لم يُعذبها آسروها الجدد، بل أحضروا لها ممرضاً للعناية بها، وأحضروا لها كتباً ودفاتر وجهاز تلفزيون، كما كان الطعام متنوعاً ووفيراً.
وفي حزيران 2024، جددوا مسكنها، فأتاحوا لها مطبخاً وحماماً.
لكنها ظلت في الحبس الانفرادي، في غرفة بلا نوافذ في الطابق الثالث، وسوف تظل كذلك لأكثر من عامين.
وتعتقد هي والمسؤولون الإسرائيليون أنها كانت في قاعدة عسكرية، وخلال حملة القصف الإسرائيلي التي استمرت 12 يوماً على إيران، قالت إن بعض الضربات كانت قريبة بما يكفي لاهتزاز المبنى.
استعرضت إليزابيث الأيام الأولى في الأسر، وهي تحاول البقاء على قيد الحياة عبر تقديم اعترافات مختلقة لتجنب التعذيب، بينما يهددها السجّان بمحاولات اغتصاب لم ينفذها. أخبرتهم لاحقاً أن اعترافاتها كاذبة، وقالت إنهم صدقوها على ما يبدو.
وطالبت الجماعات المسلحة في البداية بفدية قدرها مئات الملايين من الدولارات، وهو الأمر الذي لم يؤخذ على محمل الجد، بحسب مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، حاليين وسابقين، ودائماً بحسب ما جاء في تقرير نيويورك تايمز.
ظهورها على التلفاز
وفي تشرين الثاني نوفمبر 2023، ظهرت في مقطع فيديو تم بثه على التلفزيون العراقي، مما قدم أول دليل علني على أنها لا تزال على قيد الحياة.
وقالت تسوركوف، التي جلست على الأريكة وأُمرت بما يجب أن تقوله، باللغة العبرية إنها تعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، واستخدمت رسائل مشفرة لنقل القسوة التي عانت منها.
وللإشارة إلى تعرضها للصعق الكهربائي، ادعت زوراً أنها كانت تسكن في حي جان هاشمال، و”هاشمال” تعني الكهرباء بالعبرية. وقالت إنها اختلقت أسماءً لمديري مخابراتها المفترضين، مُستخدمةً كلماتٍ مُتلاعبةً بألفاظ “التعذيب” بالعبرية والإنجليزية والروسية، من بينها اسم “إيثان نويما”. (يُنطق اسم “إي. نويم” مثل “إينويم”، وهي الكلمة العبرية التي تعني التعذيب). ولم تُدرج هذه الأسماء في الفيديو المُذاع.
ومع مرور الأشهر، شعرت تسوركوف، التي كانت تعاني من ألم مستمر جراء إصاباتها، باليأس وبدأت تتساءل عن جدوى البقاء على قيد الحياة.
وقد شاهدت بين الحين والآخر على شاشة التلفزيون أشخاصاً ينادون بإطلاق سراحها، بما في ذلك إحدى شقيقاتها أثناء إجراء مقابلة معها، وهو ما رفع معنوياتها.
تفاصيل إطلاق سراحها
وفي أوائل إيلول سبتمبر، نقلت من القاعدة معصوبة العينين إلى مكان آخر. كان الأمر مفاجئاً لدرجة أنها تركت دفتر ملاحظاتها الذي يحتوي على خططها للدكتوراه.
وفي اليوم التالي، الموافق 9 أيلول، وبعد 903 أيام من الأسر، تم نقلها إلى مرآب في بغداد وتم تسليمها إلى مسؤول عراقي في سيارة كانت في انتظارها.
وأخبرها المسؤول بالإنجليزية أنها الآن بأمان في قبضة الحكومة العراقية.
واصطحبها إلى دار ضيافة فخمة حيث فحصتها طبيبات عراقيات – وهنّ أول امرأة تتواصل معهنّ منذ اختطافها.
ودخل رجلٌ دار الضيافة وقدّم نفسه لتسوركوف على أنه صديقٌ لترامب.
وكان الرجل سافايا، أحد الأشخاص الذين ينسب إليهم الدور الأكبر في إطلاق سراحها.
وقال سافايا في مقابلة، إنه أبلغ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بأننا “بحاجة إلى حل هذه القضية الكبيرة وإطلاق سراح تسوركوف”.
ومنذ عودتها إلى أسرتها، حاولت تسوركوف معرفة كيفية تأمين إطلاق سراحها.
وكان مسعد بولس، المستشار البارز في وزارة الخارجية الأميركية، قد التقى عائلة تسوركوف في الربيع الماضي ووعد بمحاولة العثور على أي علامة أخرى على وجود حياة.
وقالت تسوركوف واثنان من أشقائها إن “سافايا أخبرهم بعد أيام من إطلاق سراحها أنه أبلغ السوداني أنه إذا لم يتم إطلاق سراحها خلال أسبوع، فإن الولايات المتحدة ستستهدف الجماعات المسلحة”.
ونفى سافايا توجيه مثل هذا التهديد.
ولم يعلق البيت الأبيض بشكل مباشر على تورط سافايا، وقال في بيان، إن “ترامب يشعر دائماً بالقلق بشأن الأمريكيين المحتجزين في الخارج وأنه على استعداد للاستفادة من قوة بلدنا ومهاراته التفاوضية للتدخل في هذه القضية”.
وقال مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن “جهوداً دبلوماسية وإنسانية قامت بها جهات عراقية رسمية أسفرت عن إطلاق سراحها”، مضيفاً أن “التهديدات أو الضغوط الخارجية لا علاقة لها بالقرار العراقي”.
وبعد ساعات من وصولها إلى الفيلا في بغداد، توجهت تسوركوف إلى السفارة الأمريكية.
وأجرى مسؤولون هناك اتصالاً مرئياً بينها وبين شقيقتيها إيما وأفيتال، وكذلك مع بوهلر.
وسألتها: “هل أنتِ على قيد الحياة؟ لأنني دفنتكِ في رأسي مراتٍ عديدة”، قالت إيما. “قالت إنها بخير، لكنها ستحتاج إلى رعاية طبية”.
