تغيّر المناخ والتلوث يهدّدان المواقع الأثرية في العراق… وخبراء يدعون إلى حماية عاجلة
أربيل (كوردستان24)- تتعرض المواقع الأثرية في العراق اليوم لموجة غير مسبوقة من التهديدات البيئية والمناخية، وسط تحذيرات متزايدة من انهيار المعالم التاريخية التي تشكّل جزءًا من هوية البلاد الحضارية. فارتفاع درجات الحرارة، وتكرار الفيضانات، والعواصف الغبارية، وتراجع الغطاء النباتي، إضافة إلى النشاط الصناعي غير المستدام، جميعها عوامل باتت تُسهم في تشقّق المباني الأثرية وتآكلها، وتضع الإرث العراقي القديم أمام خطر حقيقي.
الآثار في مواجهة تغيّر المناخ… خبراء يحذّرون
تقول خبيرة التلوث البيئي إقبال لطيف جابر إن المواقع الأثرية في العراق تواجه اليوم تحديات “عميقة ومعقّدة”، مشيرة إلى أن الحروب، الإهمال الحكومي، والتغيّرات المناخية، ضاعفت من هشاشة هذا الإرث.
وتوضح جابر أن موجات الحرارة الشديدة وارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات وهطول الأمطار الغزيرة في مناطق مقابل الجفاف في مناطق أخرى، كلها عوامل تترك “أثرًا مباشرًا وخطيرًا” على المعالم الأثرية، لا سيما تلك المبنية من المواد الطينية والحجرية الهشة.
وتضيف بالقول”:
“المواد التي بُنيت منها الآثار تتأثر بشكل كبير بالحرارة، ما يؤدي إلى جفافها وتصدّعها وتغيّر لونها. أما الفيضانات فهي تحمل الأملاح والمعادن السامة التي تتسبب بتآكل المباني الأثرية.”
كما حذّرت من تأثير الأشعة فوق البنفسجية في تسريع تكسّر الطبقات الخارجية لهذه المباني، مؤكدة أن الإهمال بعد عام 2003 جعل الكثير من المواقع مكشوفة بدون صيانة، ما فاقم الضرر البيئي.
الحزام الأخضر… حلّ ضروري وليس ترفًا
وترى جابر أن حماية المواقع الأثرية تتطلب إجراءات عملية، أبرزها إنشاء حزام أخضر يضم أشجارًا عالية ونخيلاً يحيط بالمناطق الأثرية، بهدف:
تصفية الهواء من الملوّثات
حماية المعالم من الأشعة فوق البنفسجية
امتصاص المياه الفائضة وخفض مخاطر الفيضانات
الحد من تأثير الرياح والعواصف الترابية
وتؤكد أن هذه الإجراءات يجب أن تُرافقها إدارة مهنية ممولة جيدًا تضم خبراء من تخصصات مختلفة: جيولوجيين، وكيميائيين، وخبراء بيئة، لمراقبة حالة المواقع وصيانتها بشكل دوري.
النشاط الصناعي… تهديد إضافي للآثار
أما مصطفى الغزي، التدريسي في جامعة واسط وممثلها لشؤون التراث الثقافي، فيحذّر من أن النشاط الصناعي العشوائي والاستخدام غير الكفء للطاقة أديا إلى تلوث متزايد وتراجع زراعي وانحسار الغطاء النباتي، وهو ما تسبب في اضطراب المناخ المحلي.
وقال الغزي”:
“التغيرات المناخية الحالية تؤدي إلى التجوية، والأكسدة، والتميؤ، وانهيار التربة، وزحف الكثبان الرملية، وكلها عوامل تُهدد بزوال مواقع أثرية عريقة.”
وأشار إلى أن العديد من المواقع الكبرى تأثرت خلال السنوات الماضية، مثل:
مدينة أوروك
مدينة أور
مدينة بابل
آثار عقرقوف
طاق كسرى
مدينة واسط الأثرية
سامراء
ويؤكد الغزي أن التخلف في اعتماد التقنيات الحديثة لصيانة الآثار، إلى جانب الإهمال، يسهم مباشرة في تهالك هذا الإرث التاريخي.
دعوة لوضع حماية الآثار ضمن أولويات الدولة
يشدد الخبراء على ضرورة أن تجعل الحكومة ملف حماية الآثار أولوية وطنية، وأن تعمل الهيئة العامة للآثار والتراث بالتنسيق مع الوزارات والمنظمات الدولية والجامعات، لاعتماد إجراءات علمية وترميمات دورية للحفاظ على الهوية الثقافية للعراق التي تواجه خطر التلاشي بفعل المناخ والتلوث.
إنقاذ التراث العراقي لم يعد خيارًا… بل ضرورة لحماية ذاكرة البلاد وحضورها التاريخي.
المصدر: الوكالات
