مسرور بارزاني: كوردستان تمضي قُدماً نحو الازدهار.. ومستعدون لتجهيز باقي العراق بالكهرباء بأسعار تفضيلية
أربيل (كوردستان 24)- في جلسة حوارية شاملة اتسمت بالصراحة وتشخيص الأزمات، رسم رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، اليوم الأربعاء 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025، ملامح المرحلة المقبلة للعلاقة بين أربيل وبغداد، موجهاً رسائل سياسية واقتصادية مهمة من "منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط" (MEPS 2025) في الجامعة الأمريكية بكوردستان - دهوك.
رئيس الحكومة، الذي أجاب عن الأسئلة في جلسة أدارتها الإعلامية أمينة بكر، شدد على أن "كوردستان تسير على طريق صحيح وتمضي قُدماً، ولا أحد يستطيع إيقاف عجلة تطورها"، مستعرضاً رؤية حكومته لحل المشاكل العالقة وفق الدستور، ومطلقاً مبادرات للحل في سوريا والمنطقة.
العلاقة مع بغداد.. أزمة ذهنية لا أزمة دستور
استهل رئيس الحكومة حديثه بتفكيك تعقيدات العلاقة مع الحكومة الاتحادية، مرجعاً سبب استمرار المشاكل، ولا سيّما المناطق الكوردستانية خارج إدارة حكومة الإقليم والطاقة والموازنة، إلى غياب الإرادة لتطبيق الدستور وتمسك بغداد بقوانين مركزية موروثة من النظام السابق لا تمت بصلة للنظام الاتحادي الحالي، منتقداً الآلية المتبعة حالياً، واصفاً إياها بأنها تدار بذهنية "العمل التجاري" (البزنس) وليس منطق الدولة الواحدة؛ حيث تستحوذ بغداد على واردات النفط والإيرادات غير النفطية للإقليم لتضعها في خزائنها، ثم تعود لتمارس سياسة المماطلة والتأخير في إرسال المستحقات والرواتب، وهو ما يخلق حالة من عدم الاستقرار.
وشدد على أن المشكلة الكبرى في العراق ليست في الدستور بحد ذاته، بل في "غياب المحاسبة"، حيث لا توجد جهة تحاسب المسؤولين الذين يخرقون الدستور جهاراً، مطالباً بوجود مؤسسات ضامنة تُخضع منتهكي الدستور للمساءلة. وأشار بوضوح إلى أن الدستور عرّف كوردستان كـ "إقليم فيدرالي دستوري"، وبالتالي لا يحق للحكومة الاتحادية التعامل معه بعقلية مركزية أو التدخل في "التفاصيل الدقيقة" لكيفية إدارته لملفاته الاقتصادية والخدمية، رافضاً أي محاولات لتحجيم صلاحيات الإقليم ومعاملته معاملة المحافظة وليس إقليماً اتحادياً.
ملف الكابينة الوزارية العاشرة في الإقليم
في ملف تشكيل الكابينة الحكومية الجديدة في الإقليم، أماط رئيس الحكومة اللثام عن أسباب التأخير المستمر منذ عام، مؤكداً أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني سعى منذ البداية لتشكيل حكومة شاملة وأبدى "مرونة وسخاءً كبيرين" بمنح الاتحاد الوطني الكوردستاني مناصب تفوق استحقاقه الانتخابي. واستدرك موضحاً أن الشريك في الاتحاد الوطني أصر على المطالبة بالمزيد، مراهناً بتقديرات خاطئة على ضعف موقف الديمقراطي في الانتخابات النيابية الاتحادية لتحسين شروط التفاوض لاحقاً. وتساءل رئيس الحكومة: "إذا لم نكن نحترم نتائج الانتخابات والأحجام الحقيقية لكل طرف، فلماذا نُجري الانتخابات أصلاً؟"، مشدداً على أن من يحصل على أصوات أقل لا يمكنه فرض شروطه على الفائز الأول.
وعندما سُئل عمّا إذا كانت ثمة شروط جديدة لتشكيل الكابينة الوزارية العاشرة للإقليم، أكد رئيس الحكومة أن المعطيات تغيرت الآن بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية الاتحادية، وأن المفاوضات ستنطلق مجدداً بناءً على المعطيات السياسية الواقعية.
قانون الانتخابات.. غياب العدالة التمثيلية
انتقد رئيس الحكومة بشدة قانون الانتخابات العراقي رغم وصفه العملية الانتخابية التي جرت مؤخراً بالناجحة. واستعرض مفارقة بالأرقام، مبيناً أن الحزب الديمقراطي حصل على أكثر من مليون و100 ألف صوت، لكنه نال 27 مقعداً فقط، في حين حصلت كتل أخرى على عدد مقاعد مقارب أو أكبر رغم حصولها على أصوات أقل بكثير وذلك بفارق يتجاوز مئات الآلاف من الأصوات مقارنة بالبارتي. وطالب في الوقت نفسه بضرورة تعديل هذا القانون مستقبلاً لضمان أن تكون المقاعد انعكاساً حقيقياً للأصوات الجماهيرية، وإنصاف الثقل الجماهيري للشعب الكوردي.
ملف النفط.. قرار سياسي مكلف وحقائق "أوبك"
فند رئيس الحكومة الاتهامات الموجهة للإقليم بتجاوز حصص "أوبك"، موضحاً بلغة الأرقام أن نسبة سكان الإقليم وهي 14% تمنحه الحق في إنتاج 600 إلى 700 ألف برميل يومياً، بينما لم يتجاوز إنتاج الإقليم الفعلي 350 ألف برميل، مما يثبت التزامه التام.
ووصف قرار إيقاف تصدير نفط كوردستان بأنه "قرار سياسي بحت" اتخذ في بغداد، وتسبب بخسائر مليارية للعراق والإقليم دون أي جدوى اقتصادية. وأكد أن الاتفاق الحالي لاستئناف التصدير هو "اتفاق مؤقت" ولن يكون الحل مستداماً إلا بتشريع قانون النفط والغاز الاتحادي، محذراً من أن استمرار التعامل مع الملفات الاقتصادية بعقلية سياسية سيضر بمصلحة كل العراقيين.
إرهاب المسيرات وعقود الغاز
أشار رئيس الحكومة إلى أن تراجع إنتاج الشركات النفطية يعود لسببين يتمثل الأول بتوقف التصدير، والثاني يتعلق بالهجمات "الإرهابية" بالطائرات المسيّرة على الحقول، والتي تهدف لترويع المستثمرين الأجانب وضرب البنية التحتية، مطالباً بغداد والمجتمع الدولي بوقف هذه الاعتداءات.
وفي ملف الطاقة، أكد رئيس الحكومة في معرض رده عن الأسئلة أن عقود الإقليم قانونية وشرعية ومحمية بقرارات قضائية، مبدياً استعداد حكومته ليس فقط لحل المشاكل، بل للمساهمة في حل أزمة الكهرباء المزمنة في باقي أنحاء العراق. وكشف عن مفاوضات جارية مع وزارة الكهرباء الاتحادية لبيع الغاز والكهرباء لبغداد بأسعار تفضيلية تتضمن "خصومات" مقارنة بالاستيراد الخارجي، مشيراً إلى أن محطات الإقليم تنتج حالياً مئات الميغاواطات لصالح الشبكة الوطنية، وأن حكومته نجحت في تطبيق نموذج "كهرباء 24 ساعة" ضمن مشروع روناكي في أحياء سكنية وتجارية، وهي مستعدة لتعميم هذه التجربة وتوسيع الإنتاج وفق مبدأ التكامل الاقتصادي.
الإصلاح الاقتصادي.. الرقمنة وثقافة الضرائب
استعرض رئيس الحكومة استراتيجية حكومته للتحول الرقمي الشامل، مشيراً إلى مشاريع مثل "حسابي" وأنظمة الدفع الإلكتروني التي تهدف لضبط الإيرادات وتسهيل الخدمات للمواطنين. ورد على الانتقادات المتعلقة بالضرائب، موضحاً أن الحكومة لم تفرض ضرائب جديدة تعسفية، بل طبقت القوانين التي شرعها البرلمان، متهماً أطرافاً في المعارضة باستغلال هذا الملف للمزايدات السياسية، معتبراً أن الالتزام الضريبي هو "مسؤولية مدنية" وواجب وطني لبناء دولة متحضرة وتقديم خدمات أفضل.
ثورة الخدمات.. من الطرق إلى المصارف
واستعرض رئيس الحكومة قائمة مفصلة لإنجازات الكابينة التاسعة التي تحققت "بمساعدة القطاع الخاص" رغم الحصار المالي، معدداً مشاريع حيوية لم تتوقف وفي مقدمتها توسيع شبكات الطرق والجسور والاستثمار المكثف في قطاعي التربية والصحة، ورقمنة النظام المصرفي بالكامل. وأكد أن الهدف النهائي لهذه المشاريع هو "إلغاء الروتين" وجعل المواطن يشعر بالراحة والكرامة في تمشية معاملاته اليومية، معتبراً أن نجاح الحكومة يقاس بمدى رضا المواطن عن هذه الخدمات الملموسة.
دعم القطاع الخاص وتوحيد التقاعد
حمل رئيس الحكومة الحكومة الاتحادية مسؤولية إيقاف التعيينات في الإقليم منذ عام 2014 بقرار سياسي، مما خلق أزمة بطالة. ووجّه شكراً عميقاً للقطاع الخاص في كوردستان، مؤكداً أن "الشركات المحلية هي من بنت الطرق والجسور ونفذت المشاريع حينما قطعت بغداد الموازنة الاستثمارية عنا"، معتبراً إياهم شريكاً أساسياً في مسيرة نهضة كوردستان وازدهارها.
وكشف عن رؤية بديلة تعتمد على دعم هذا القطاع، معلناً عن مشروع "كَشانەوە" (الانتعاش) الذي يوفر قروضاً مصرفية للشباب لتمويل مشاريعهم الخاصة بدلاً من الاعتماد على المنح الحكومية المباشرة. كما أعلن في معرض أجوبته عن توجه حكومي لتعديل "قانون التقاعد" لضمان حقوق العاملين في القطاع الخاص ومساواتهم بموظفي الدولة، لتشجيع الشباب على العمل في الشركات.
الملف السوري: مبادرة للمصالحة ودستور جديد
اختتم رئيس الحكومة حديثه بمبادرة سياسية لافتة، كاشفاً عن استضافته في أربيل صباح اليوم ذاته اجتماعاً بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) و"المجلس الوطني الكوردي" لتقريب وجهات النظر عملياً. وأسدى نصيحة للأطراف السورية بضرورة كتابة "دستور جديد" وعقد اجتماعي يضمن حقوق كافة المكونات (كورد، عرب، دروز، علويين) دون إقصاء، مشدداً على أن فرض إرادة طرف واحد لن يجلب الاستقرار لسوريا، وأن الحل يكمن في التكامل لا التنافس.
