من مخابئ الشتاء الى أشجار عملاقة.. السناجب تشيد غابة جوز في مرتفعات "باڵەکایەتی"
أربيل (كوردستان24)- في ظاهرة طبيعية نادرة، يقتصر فيها دور الإنسان على الاستهلاك بينما يتولى حيوان بري مهام "البستنة"، حظيت قرية في منطقة "بالكايتي" بغابة كثيفة من أشجار الجوز دون أي تدخل بشري.
ففي قرية "گزنة" التابعة لناحية "سميلان"، سطرت السناجب تاريخاً فريداً في تشجير المنطقة عبر زراعة أكثر من 10 آلاف شجرة جوز، ليجني سكان المنطقة ثمار جهد هذا الحيوان منذ أكثر من قرن، بصفتهم الورثة الشرعيين لهذا الكنز الطبيعي.
وتُعد منطقة "بالكايتي"، بفضل موقعها الجغرافي ومناخها البارد والمثلج، واحدة من أنسب البيئات لنمو أشجار الجوز. وقد أصبحت هذه المنطقة، بما تمتلكه من تربة خصبة ومياه عذبة، ميدانًا مثالياً لدورة حياة السناجب.
تقوم هذه الحيوانات النشطة، بدافع غريزتها الفطرية في موسم النضوج، بجمع الجوز والبلوط وتخبئتها تحت الأرض كمؤونة لفصل الشتاء. إلا أنها غالباً ما تنسى أماكن مخابئها، أو تعجز عن العثور عليها بسبب الظروف الطبيعية، مما يؤدي إلى نمو تلك البذور تحت التربة لتشكل غابة طبيعية عذراء أصبحت اليوم مصدراً للرزق والجمال في آن واحد.
غابة بهندسة الطبيعة
وفقاً لروايات سكان قرية "گزنة"، فإن غابة الجوز هذه أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هوية قريتهم، مانحة إياها مشهداً خلاباً. ويشير "سليمان غفور"، أحد سكان القرية، في حديث لـ "كوردستان 24"، إلى أن طول الغابة يمتد لنحو 3 كيلومترات، بدءاً من قريتهم وصولاً إلى حدود منطقة "برادوست".
ويحتضن وادي القرية أكثر من 10 آلاف شجرة جوز وصلت أحجامها لمستويات قياسية نظراً لأعمارها المديدة؛ إذ تجاوز عمر بعضها 100 عام، ووصل ارتفاعها إلى 20 متراً، بينما يبلغ محيط جذعها نحو 3 أمتار ونصف، في دلالة واضحة على تجذر تاريخ هذه الأشجار في أعماق الأرض.
توزيع عادل للمحصول
تحول تاريخ جمع محصول هذه الأشجار إلى تقليد اجتماعي تعاوني. ويوضح "مشير عبد الواحد"، من أهالي القرية، لـ "كوردستان 24"، أن تاريخ هذا التقليد يعود لما قبل عام 1974، حيث كان الأهالي يقصدون الغابة بشكل جماعي (عونة) لجمع الجوز.
ووفقاً لنظام قديم متبع في القرية، يتم توزيع المحصول بالتساوي على العشائر الأربع الرئيسية فيها. ويؤكد مشير أن هذا العرف لا يزال قائماً حتى اليوم، حيث تتوارث الأجيال الاستفادة من هذا الإرث الذي تركته لهم السناجب.
وفاء الإنسان للبستاني الصغير
ولَّدت هذه الخدمة الجليلة التي تقدمها السناجب شعوراً عميقاً بالعاطفة والوفاء لدى سكان "گزنة". يروي الشاب "محمد مشير" قصته الخاصة مع هذا الحيوان؛ ففي أحد الأيام وأثناء عودته من المدرسة، عثر على سنجاب مصاب سقط من إحدى الأشجار.
وكرد للجميل، أخذ محمد السنجاب إلى منزله وقام بعلاجه، قاطعاً وعداً برعايته حتى يشفى تماماً ويكبر، تمهيداً لإعادته إلى أحضان الطبيعة، ليكمل تلك الحلقة الحيوية التي أغنت المنطقة طوال مئة عام مضت.