مجلس القضاء الأعلى في العراق يصدر توجيهات "عاجلة" لمعالجة اكتظاظ السجون

أربيل (كوردستان24)- أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق، توجيهات جديدة وملزمة لكافة رئاسات محاكم الاستئناف، تهدف إلى معالجة أزمة اكتظاظ السجون ومراكز التوقيف التي تشهدها البلاد، داعياً القضاة إلى التقليل من إصدار أوامر القبض إلا في الحالات القصوى، واستبدال العقوبات السالبة للحرية بالغرامات المالية والكفالات.
وجاءت هذه التوجيهات في وثيقة رسمية صادرة عن رئاسة الادعاء العام، ذي العدد (2205)، والمؤرخة في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2025، حصلت "كوردستان 24" على نسخة منها.
وبحسب الوثيقة المذيلة بتوقيع رئيس الادعاء العام القاضي "نجم عبد الله أحمد"، فإن هذه القرارات جاءت بناءً على مخرجات اجتماع عُقد نهاية تشرين الثاني الماضي، ضم ممثلين عن وزارات (الداخلية، العدل، والصحة)، وبموافقة رئيس مجلس القضاء الأعلى، للمساهمة في تخفيف الزخم الكبير الذي تشهده المواقف والسجون.
وتضمنت التوجيهات أربع نقاط رئيسية ألزم المجلس المحاكم باتباعها:
تقييد التوقيف: عدم اللجوء إلى توقيف الأشخاص المطلوبين للقضاء إلا في الحالات الوجوبية التي ينص عليها القانون، مع مراعاة ظروف القضية وشخصية الجاني.
قصر مدة التوقيف: ضمان أن تكون مدد التوقيف عند اللجوء إليها قصيرة جداً وبالحدود الدنيا التي تقتضيها ضرورات التحقيق حصراً.
تفعيل الكفالة: ممارسة الصلاحية القانونية في إطلاق السراح بكفالة متى كان ذلك جائزاً قانوناً، بما ينسجم مع طبيعة الجريمة وضمان حضور المتهم أمام القضاء.
الغرامة بدلاً من الحبس: اعتماد الحكم بالغرامة المالية بدلاً من الحبس أو السجن عند توفر السند القانوني، وبما يتناسب مع وقائع الدعوى ويحقق الردع المطلوب.
يأتي هذا التحرك القضائي في وقت يواجه فيه العراق تحديات كبيرة تتعلق بملف السجون وحقوق الإنسان، ويمكن تلخيص سياق هذا القرار في النقاط التالية:
أزمة الاكتظاظ الخانقة: تعاني السجون العراقية التابعة لوزارتي العدل والداخلية من نسبة اكتظاظ عالية جداً تفوق طاقتها الاستيعابية بأضعاف (تشير بعض التقارير إلى نسب تصل لـ 300%). هذا الاكتظاظ أدى إلى مشاكل لوجستية وصحية، وصعوبة في إدارة هذه المؤسسات الإصلاحية.
المخاطر الصحية: إشراك وزارة الصحة في الاجتماع الذي سبق هذا القرار يشير بوضوح إلى مخاوف السلطات من تفشي الأمراض المعدية والأوبئة داخل السجون المكتظة، مما يستدعي تقليل أعداد النزلاء والموقوفين كإجراء وقائي.

دعوات حقوقية: طالما انتقدت منظمات حقوقية محلية ودولية الروتين المتبع في القضاء العراقي المتمثل في "التوقيف أولاً"، حيث يقضي العديد من المتهمين فترات طويلة في التوقيف الاحتياطي قبل أن يتم البت في قضاياهم، وأحياناً تفوق مدة التوقيف مدة العقوبة المتوقعة.
بدائل العقوبات: يمثل هذا القرار تفعيلاً واقعياً لمبدأ "العقوبات البديلة" أو التوجه نحو السياسة الجنائية الحديثة التي ترى في الغرامة والكفالة وسيلة أنجع للتعامل مع الجنح والجرائم البسيطة بدلاً من إرهاق كاهل الدولة بنفقات السجناء وتعريضهم لبيئة السجون المختلطة بمرتكبي الجرائم الخطيرة.
قانون العفو العام: يتزامن هذا الإجراء مع الجدل السياسي والتشريعي المستمر حول تعديل قانون العفو العام، حيث يبدو أن القضاء يحاول إيجاد حلول آنية وفورية لتخفيف الضغط لحين نضوج الحلول التشريعية.