ساحة إعدام سابقة في قلب العاصمة السعودية تتحوّل لملعب أطفال

العاصمة السعودية الرياض
العاصمة السعودية الرياض

أربيل (كوردستان 24)- يلعب أطفال سعوديون الكرة بحماس وسعادة تحت أنظار ذويهم في ساحة العدل بوسط الرياض، في موقع كان يستخدم حتى سنوات خلت مسرحا لتنفيذ أحكام إعدام علنية تحت إشراف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ورغم التوقف عن تنفيذ الإعدامات العلنية منذ 2013، ظلت السعودية ثالث أكثر الدول تنفيذا لأحكام الإعدام في العالم في أعوام 2022 و2023 و2024 بعد الصين وإيران، بحسب منظمة العفو الدولية.

وعلى مدى عشرات السنين، نفّذ سيّافون حكم الإعدام في المساجين المدانين أمام أنظار الناس في الساحة المحاطة بالنخيل والتي تضم المقر الرئيسي للهيئة الدينية التي كانت تثير الرعب في النفوس.

وأعدمت السعودية 340 شخصا خلال 2025 في رقم قياسي للعام الثاني تواليا، غالبيتهم العظمى دينوا في قضايا متعلقة بالمخدرات.

لكنّ المكان الواقع في الرياض القديمة والذي كان بعض الناس يهابون حتى المرور به، بات ينبض بضحكات الأطفال وروّاد المقاهي والمطاعم الجديدة والفاخرة التي يعلو في أرجائها صوت الغناء، بعضهم من السياح الأجانب.

ويترافق هذا مع حملة تغييرات اجتماعية تشهدها السعودية منذ تعيين الأمير محمد بن سلمان وليّا للعهد عام 2017، ومن بينها الحد من سلطات الشرطة الدينية نفسها التي باتت بلا صلاحيات، ومحاولة تحسين صورة البلاد التي كانت مغلقة لعقود.

يسترجع العامل الآسيوي رفيق (اسم مستعار)، الذي يعمل في الساحة منذ أكثر من 15 عاما، "المشهد المعتاد لقطع الرؤوس بعد صلاة كل جمعة".

ويتابع الرجل البالغ 46 عاما "كانت الشرطة تضع حواجز حديدية حول الساحة ويتجمع الناس خلفها" ليشاهدوا عمليات الإعدام.

ويضيف "يبدو الأمر مرعبا، لكن بعد وقت اعتدنا عليه وتبدّد الخوف".

لكنّه يشير إلى أنّ "كثيرا من الناس كانوا يغمضون أعينهم مع ضربة السيف ويصيحون +الله أكبر+"، مستذكرا مشهد الدماء التي كانت تسيل وكانت هناك شبكة تصريف خاصة لها لا تزال موجودة حول الساحة.

وكانت السلطات السعودية تنفذ هذه الإعدامات العلنية عملا بالشريعة الإسلامية المطبقة في البلاد، في المدانين بالقتل والجرائم الكبرى.

ويطلق الأجانب على هذه الساحة المحاذية لمسجد الإمام تركي بن عبدالله الذي يسع مئات المصلين، تسمية "تشوب-تشوب"، في إشارة للكلمة الإنكليزية المرادفة لفعل القطع.

لكنّ الطفل السعودي يوسف البالغ 14 عاما يرى في المكان "ساحة لعب فقط".

وقال الطفل الذي كان يرتدي قميص البرازيل الأصفر ويقوم بحركات بدراجته "نحن نلعب كل أسبوع هنا".

ويجوب رجال أمن محيط الساحة حيث توجد على مقربة من المكان سارية علم سعودي ضخم ونوافير مياه تجلس حولها على الأرض نساء يتسامرن.

- "تاريخ لا نخجل منه" -

تقول دعاء دهيني الباحثة في "المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان" ومقرها برلين إن "آخر إعدام علني تم توثيقه كان في 2013 وبعد ذلك وردت معلومات للمنظمة بأن الإعدامات ستكون في باحات السجون".

مشيرة إلى أنّ السلطات لم تقدم أسبابا لهذا التغيير الكبير.

ولا تكشف السلطات حاليا عن الطريقة التي تنفذ بها أحكام الإعدام.

لكنّ لجنة حكومية من وزارتي الداخلية والصحة وهيئات حكومية أخرى أجازت في 2013 تنفيذ الحكم بالإعدام رميا بالرصاص بدلا من حد السيف.

ولم تردّ السلطات السعودية على استفسار وكالة فرانس برس حول أسباب وقف الإعدامات العلنية أو طريقة تنفيذ الإعدامات راهنا.

وتسعى السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، إلى أن تصبح مركزا إقليميا للسياحة والأعمال والترفيه، مع تبنيها خطة إصلاح اقتصادي تحت اسم "رؤية 2030".

وشهدت في السنوات الماضية انفتاحا كبيرا في المشهد الثقافي والفني والاجتماعي، إذ أُعيد فتح دور السينما، وسُمح للنساء بقيادة السيارات، بل وأتاحت بيع الكحول لغير المسلمين في الرياض.

لكنّ ذلك لم يحل دون تلقيها انتقادات من منظمات حقوقية حيال سجلها الحقوقي، خصوصا على صعيد عقوبة الإعدام.

وفي مقهى حديث يطلّ على الساحة، قالت الأم الثلاثينية المنتقبة هنوف بأنّها "لا تخجل" من تنفيذ بلادها إعدامات علنية في الماضي.

وحول إبريق قهوة عربية فضي اللون وطبق تمور، أضافت هنوف التي فضّلت ذكر اسمها الأول فقط لحساسية الموضوع "عندما أحضر أبنائي إلى هنا أحدّثهم عن هذا التاريخ لأننا لا نخجل منه".

وتابعت "كل دول العالم لديها لحظات مثل تلك في تاريخها. وهذا جزء من التاريخ نفخر به".

المصدر: فرانس برس