"إرهاب قانوني" وملاحقات ممنهجة.. حرية التعبير في العراق تحت مقصلة القوانين القديمة وسطوة الميليشيات

أربيل (كوردستان24)- يواجه العشرات من المدونين والصحفيين والناشطين في العراق حملات اعتقال وتضييق متصاعدة، في ظاهرة وصفها مراقبون بـ"الإرهاب القانوني"، حيث يتم استغلال نصوص قانونية قديمة لتكميم الأفواه ومصادرة حرية الرأي.

وفي تقرير نشره موقع "الحرة"، أمس الأربعاء 17 كانون الأول 2025، تم تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وحرية التعبير في البلاد. ووثق التقرير قصة الناشط المدني "مجتبى أحمد"، الذي أصيب بالشلل جراء قنبلة غازية أثناء مشاركته في تظاهرات تشرين 2019 بساحة التحرير وسط بغداد.

ولم تقف مأساة مجتبى عند الإصابة الجسدية، بل كشف عن تعرضه للاختطاف قبل عدة سنوات على يد جهة مسلحة – لم يسمها لأسباب أمنية – حيث تم احتجازه لسبع ساعات قبل إطلاق سراحه بجهود مضنية من عائلته.

وفي حديثه لـ"الحرة"، قال مجتبى: "مشكلتنا ليست مع القضاء العراقي بحد ذاته، فهو الفاصل بين السلم والدماء، لكن المعضلة تكمن في غياب مواد قانونية خاصة بالتعامل مع التهم ذات الطابع السياسي. يتم توجيه تهم للناشطين والصحفيين وفق مواد جنائية عامة ضمن قانون العقوبات المعدل لعام 1969".

 

أرقام مقلقة وتصاعد في الانتهاكات

سجل "المرصد العراقي للحوق والحريات" أرقاماً مفزعة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني 2023 وحتى كانون الأول من العام نفسه، حيث وثق نحو 68 حالة اعتقال أو احتجاز لصحفيين وناشطين بسبب آرائهم. وفي المقابل، ارتفعت حالات التهديد والمضايقات المباشرة لتصل إلى 142 حالة، وصل بعضها إلى التهديد بالتصفية الجسدية أو التشهير.

ووفقاً لتقرير المرصد، فقد تم رصد 93 دعوى قضائية استندت إلى مواد قانونية تتعلق بـ"الإساءة، إثارة الشغب، التشهير الرقمي، أو إهانة مؤسسات الدولة"، فضلاً عن إغلاق وتقييد 30 صفحة ومنصة رقمية وبرنامجاً تلفزيونياً.

 

القانون كأداة للقمع بيد الأحزاب والميليشيات

يؤكد عادل الخزاعي، مدير المرصد العراقي للحوق والحريات، أن "واقع الحريات في العراق يمر بأسوأ مراحله"، مشيراً إلى أن الدستور العراقي يضمن حرية التعبير، لكن الواقع التطبيقي يعكس خلاف ذلك تماماً، حيث تحولت مواد قانون العقوبات وقوانين هيئة الإعلام والاتصالات إلى أدوات للتقييد بدلاً من الحماية.

وكشف الخزاعي عن ارتفاع بنسبة 40% في الانتهاكات والتضييق على الحريات خلال العامين الماضيين مقارنة بما قبل عام 2020. وأضاف: "هناك ميليشيات مسلحة وجماعات تابعة لأحزاب تستخدم القانون كسلاح لقمع الناشطين، مستغلة نفوذها المالي وعلاقاتها القوية بالدولة لرفع دعاوى قضائية وزج المعارضين في السجون".

 

مخاوف من عودة "الدولة البوليسية"

تثير الملاحقات القضائية مخاوف جدية من عودة العراق إلى حقبة "الدولة البوليسية" التي كانت سائدة قبل 2003. ومما عزز هذه المخاوف، وثيقة صادرة عن مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى في 26 تشرين الثاني الماضي، موجهة إلى رئاسة الادعاء العام، تطالب بملاحقة كل من يروج لإسقاط النظام السياسي أو يمس شرعيته عبر وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية.

واعتبر الخزاعي أن هذا التوجيه فُسّر ميدانياً كضوء أخضر لتوسيع حملات الملاحقة، حيث تم رصد 22 حالة استدعاء وتحقيق فور صدور الكتاب، قبل أن تتباطأ الإجراءات وتضطر الجهات المعنية للتراجع نظرياً بعد وصول صدى القضية إلى الكونغرس الأمريكي.

ويشير خبراء قانونيون إلى أن السلطات تلجأ غالباً للمادة 226 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، التي تعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات كل من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة.

 

أزمة فهم للديمقراطية

من جانبه، يرى الدكتور عصام الفيلي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، أن الطبقة السياسية في العراق لم تستوعب بعد مفهوم الحرية. ويشير إلى ضرورة أن يقتنع صناع القرار بأن الصحافة هي السلطة الرابعة، وأن هناك "سلطة خامسة" أقوى تتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي التي يستحيل السيطرة عليها.

وفي السياق ذاته، حذر علي العبادي، رئيس مركز العراق لحقوق الإنسان، من أن القرارات الأحادية وسلوك بعض المؤسسات الحكومية تضعف الديمقراطية وتمهد للانقلاب على الحريات. ودعا العبادي البرلمان الجديد والحكومة المرتقبة إلى ضرورة تضمين البرنامج الحكومي فقرات صريحة تضمن احترام حرية الرأي والتعبير وترسيخ مبادئ الديمقراطية الحقيقية.