"دار رعاية الأطفال حديثي الولادة" في أربيل: ملاذ الطفولة الضائعة ومصنع "الجنود المجهولين"
أربيل (كوردستان 24)- في ركن هادئ من العاصمة أربيل، وتحديداً داخل "دار رعاية الأطفال حديثي الولادة" ، تُكتب يومياً قصص إنسانية تتجاوز حدود الوظيفة والمهنة. هنا، حيث تتردد أصوات البكاء والضحكات البريئة، تبذل مجموعة من النسوة حياتهن ليكنّ "الأمهات البديلات" لأطفال قذفت بهم أقدارهم إلى هذه الدار.
تتحدث میسون ابراهیم، إحدى المربيات المخضرمات، والتي بدأت مشوارها في الدار منذ عام 1994، بعينين تملؤهما الدموع: "أعمل هنا منذ عقود، ورغم أن عنواني الوظيفي مربية، إلا أنني أمارس التمريض والرعاية الطبية للأطفال منذ سنوات طويلة. فخري واعتزازي يكمنان في خدمة هؤلاء الصغار".
وتضيف بلهجة مؤثرة: "حين أتيت لأول مرة، شعرت بجمال هؤلاء الأطفال، لكنني بكيت طويلاً لأجلهم. بعضهم يأتي من المستشفيات، وبعضهم من مراكز الشرطة، وكثيرون منهم فقدوا آباءهم وأمهاتهم كشهداء أو نتيجة ظروف قاسية. بالنسبة لي، هم ليسوا مجرد أرقام، بل هم أبنائي الذين لم أنجبهم".

تقسم الدار خدماتها إلى ثلاث مراحل عمرية لضمان أفضل رعاية:
المرحلة الصغرى: لحديثي الولادة الذين يحتاجون رعاية طبية وغذائية دقيقة.
المرحلة المتوسطة: للأطفال الذين بدأوا في الحبو والمشي.
المرحلة الكبرى: حتى سن الرابعة، حيث يتم التركيز على التربية والنمو العقلي.

تقول "هرژين خالد"، وهي (مربية) تعمل في الدار منذ سنوات: "نحن نتعامل مع أطفال في عمر (0-4 سنوات). أغلبهم ليس لديهم أمهات، ونحن نقوم بهذا الدور. أحياناً نمر بليالٍ صعبة حين يمرض أحدهم، فنبقى بجانبه حتى الصباح، ونشعر بنفس الألم والقلق الذي تشعر به أي أم على طفلها".

من جانبه، يؤكد الدكتور محمود محمد، مدير مستشفى "رابرين" التعليمي للأطفال، أن أطفال الدار يحظون بمعاملة استثنائية: "هؤلاء الأطفال هم أمانة في أعناقنا. بمجرد وصول طفل من الدار يحتاج إلى رعاية أو عملية جراحية، يتم إدخاله فوراً وتوفير الفحوصات اللازمة له دون وضعه في قوائم الانتظار. إنهم أولويتنا القصوى".
وتقديراً لهذا العطاء، قامت إدارة برنامج "سەربازی ون" (الجندي المجهول) في كوردستان24، وبحضور محافظ أربيل أوميد خوشناو، بتكريم كادر الدار.

وقال المحافظ أوميد خوشناو خلال مراسم التكريم: "العمل في هذه الدار هو واجب إيماني، أخلاقي، وإنساني رفيع. هؤلاء المربيات والعاملات هم بحق (جنود مجهولون) يخدمون المجتمع في أصعب الظروف. باسم محافظة أربيل، نشيد بجهود المديرية العامة للرعاية الاجتماعية وكادر هذه الدار ومديرتها جينو آزاد، وكل من يساهم في رسم الابتسامة على وجوه هؤلاء الأيتام".
لا تقتصر مهمة الدار على الإطعام والإيواء، بل تمتد لتكون "عائلة" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فالأطفال هنا، ورغم مرارة الفقد، يجدون صدوراً حنونة تحتضنهم، وأيادٍ مخلصة تعدهم ليكونوا أفراداً فاعلين في مجتمع كوردستان في المستقبل.
