الطين غطاء للكثبان لمواجهة العواصف الرملية المتزايدة في العراق

أربيل (كوردستان 24)- في عمق الصحراء في جنوب العراق، تستخرج جرافات وآليات ثقيلة طبقات من الطين الرطب من الأرض وتلقيها على الكثبان الرملية لتغطيتها، في إطار جهود متواصلة لمواجهة العواصف الرملية المتزايدة في البلاد.

ازدادت في السنوات المنصرمة وتيرة العواصف الرملية والغبارية وشدّتها في العراق، المعتاد على هذه الظواهر، جراء الجفاف الشديد وارتفاع درجات الحرارة وشح المياه وتراجع المساحات الخضراء، فيما باتت البلاد تُصنّف من أكثر الدول تأثرا بالتغيّر المناخي.

وتجتاح هذه العواصف مناطق واسعة في العراق خلال فصلَي الربيع والصيف بشكل خاص، مغطّية إياها بضباب برتقالي كثيف، ما يتسبّب في تعليق الرحلات الجوية وإصابة كثيرين بصعوبات في التنفّس تدفعهم نحو المستشفيات.

وتحذّر السلطات العراقية من أن هذه العواصف الخانقة مرشحة للتفاقم مستقبلا، ما يجعل من الضروري معالجة المشكلة من جذورها.  

وفي منطقة واقعة بين مدينتي الناصرية والسماوة بجنوب العراق وليست ببعيدة عن مواقع أثرية سومرية، ينهمك عمال بتثبيت التربة عبر فرش طبقة من الطين بسماكة تتراوح بين 20 و25 سنتيمترا، جرى استخراجها من تحت الرمال. 

ويتضمّن المشروع الذي يعمل هؤلاء ضمنه والذي يديره برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية برفقة خبراء عراقيين بمكافحة التصحّر، زراعة نباتات تتحمل الحرارة وتساهم في تثبيت التربة بشكل أكبر.

ويقول عدي طه لفتة من البرنامج الأممي لوكالة فرانس برس إن الهدف الرئيسي من المشروع "تقليل تأثير العواصف الغبارية العابرة للحدود، والتي قد تصل إلى الكويت والسعودية وقطر".

ويضيف "المنطقة حيوية رغم صغر مساحتها، ومن المؤمل أن تسهم في تقليل العواصف الغبارية خلال الصيف المقبل".   

ومن الأهداف قصيرة الأمد للمشروع حماية طريق سريع في جنوب العراق يشهد العديد من الحوادث المرورية بسبب تدني مستوى الرؤية خلال العواصف الغبارية.

- "خطوات ثابتة" -

وتقدّر وزارة البيئة أن العراق سيشهد 243 عاصفة غبارية تقريبا كل عام، متوقّعة أن تزداد وتيرة هذه العواصف لتعيش البلاد 300 "يوم مغبرّ" سنويا بحلول العام 2050 ما لم تُتخذ إجراءات صارمة للحدّ من هذه الظاهرة.

ويعتمد المشروع المدعوم من الأمم المتحدة والذي أطلق في العام 2023 بالشراكة مع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، أيضا حفر قنوات مائية وتوفير الكهرباء لضخ المياه من نهر الفرات، بهدف تهيئة أراض قاحلة في جنوب العراق للزراعة.

وقد أتت سنوات الجفاف المتتالية والنقص المزمن في المياه على القطاع الزراعي في بلد لا يزال يتعافى من عقود من النزاعات.

وقد أجبر شح المياه العديد من المزارعين على هجرة أراضيهم، وقلّصت السلطات النشاط الزراعي بشكل كبير لضمان توفير مياه الشرب للسكان الذين يزيد عددهم عن 46 مليونا.

وأحد الأهداف النهائية للمشروع هو زيادة المساحات الخضراء وتمكين المزارعين من الحفاظ على هذه الأراضي.

ويشرح قحطان المهنا، المشرف من جانب وزارة الزراعة على المشروع، أن الجهد الزراعي لا يدوم في مناطق تكون فيها الرمال متحرّكة.

ويوضح "عندما تُترك الرمال متحركة، يكون أي جهد زراعي موقتا. أما تثبيت التربة، فهو ما يمنح المشروع فرصة الاستمرار".

وتُثبّت المزروعات من خلال "فرش التربة على الكثبان الرملية أو إنشاء سواتر وخنادق للبذور (...) تكون بمثابة مصائد للكثبان الرملية السطحية المتحركة".

ويمتلك العراق، على حد قوله، خبرات كثيرة في مكافحة التصحر والعواصف الترابية عبر تثبيت الكثبان الرملية، وقد ازدادت الحاجة إليها خلال السنوات الماضية.

ومنذ سبعينات القرن الماضي، نفذ العراق مشاريع شبيهة عدة قبل أن تتراجع التحديات البيئية من على سلم الأولويات على وقع عقود من الحروب والأزمات.

ويقول الأستاذ في جامعة ذي قار نجم عبد طارش، وهو أحد المشرفين على عملية التغطية بالطّين، إن التأثيرات الشديدة الأخيرة للتغير المناخي أحيَت جهود مكافحة التصحّر و"قد بدأ العمل من جديد".

ويضيف "نتقدم بخطوات بطيئة لكن ثابتة".

المصدر: فرانس برس