مسؤول الإعلام في حكومة كوردستان: حياديون في صراع الإقليم و"التحالف" يحمينا
أربيل (كوردستان24)- يفتح مسؤول دائرة الإعلام والمعلومات في حكومة إقليم كوردستان (بمثابة وزارة الإعلام) الدكتور جوتيار عادل أوراقه لـ"النهار"، موضحاً ومفسراً الموقف الحيادي لإقليم كوردستان من الصراع الإقليمي الحالي، ومعلنا أن حكومة الإقليم تفعل كل شيء في سبيل الخروج من دائرة الأزمات الأمنية والسياسية المحيطة به، في ظل تواتر الأزمات السياسية والقانونية والاقتصادية مع الحكومة الاتحادية العراقية. ويذكر المسؤول الكوردي بأن الحكومة المحلية في كوردستان تتابع برنامجها التنموية على طريق تحديث الاقتصاد وتنويعه. هنا نص الحوار:
بعد رسائل رئاسة إقليم كوردستان وبياناتها التي عبرت فيها عن قلقها البالغ مما يجري في المنطقة، ما هو موقف الإقليم من المشهد الإقليمي الحالي؟
من الصعوبة بمكان أن تحافظ أي منطقة على استقرارها وهدوئها المستدام في ظلال غرق الإقليم في تجاذبات إيديولوجية وصراعات عسكرية ومماحكات طائفية ودينية وقومية هائلة، لكن الإقليم قادر حتى الآن على حماية نفسه من كل ذلك، فنحن لا نريد أن نكون جزءا من الصراعات التي تدور حولنا منذ سنوات، سواء في سوريا أم في تركيا أم بين إسرائيل وكل من حركة "حماس" الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني ومن خلفه إيران ومحور الممانعة، ونحاول قدر الإمكان ألا نكون إلى جانب طرف ضد آخر.
وهنا تجب الإشارة إلى دور التحالف الدولي في حماية الإقليم من التأثيرات الإقليمية وتوفير الأمان المستدام لها، فهو يعتبره نموذجاً يجب الحفاظ عليه، لأنه تجربة سياسية نادرة، ملتزمة منظومة حقوق الإنسان والقيم والإجراءات الديموقراطية، لا يتدخل في شؤون غيره، ولا يسعى لتصدير أي إيديولوجيا أو قيمة سياسية، بل يسعى لخلق السلام الاجتماعي والتنمية المستدامة لسكانه، ولأجل ذلك يرى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب نفسه ملزماً بحماية هذه القيم التي يقوم عليها الإقليم.
ولا يمكن لأي أحد أن يلوم إقليم كردستان على حياده التام في الصراعات الحالية، فتجربتنا مليئة بالقروح والعذابات والشقاء الذي أفرزته حروبنا مع الحكومات العراقية إلى أن حققنا جزءا من حقوقنا العادلة وأنجزنا تنمية واستقراراً مستداماً، وبرأينا هذا هو الطريق الوحيد لكل الدول التي تريد تحقيق الاستقرار المستدام، فهي يجب أن تنبذ التطرف والإيديولوجيات العنيفة والسلوكيات المناهضة لحقوق الإنسان والقيم والممارسات الديموقراطية الحقيقية، لأنها معيقة للتنمية المجتمعية، فبغير ذلك لن يكون لها أي أفق مستقبلي.
إيران من أكثر الدول تأثيراً على العراق وضغطاً على إقليم كردستان، لكن منذ ظهور علامات الضعف الاستراتيجي لإيران، بعد بدء الصراع الإقليمي الحالي، كيف تتطور العلاقات راهناً بين إيران وإقليم كردستان؟
في جوهر العقيدة السياسية لإقليم كوردستان، ولأن إيران دولة جارة تمتد حدودنا معها لمئات الكيلومترات، لم نكن مصدر تهديد لها في أي وقت. صحيح العلاقات بين الإقليم وإيران مرت بتجاذبات ومسارات مختلفة، لكن بحسب رأيي ثمة سوء في الفهم الإيراني لإقليم كردستان، لأنهم يعتقدون إن الإقليم يمكن أن يصبح تهديداً لمصالح إيران، وهذا غير صحيح أبداً، فالإقليم كان على الدوام جزءا من المنظومة الأمنية المحافظة على استقرار المنطقة، بما في ذلك إيران.
بعض المؤسسات والساسة النافذين ضمن النظام الإيراني استغلوا موضوع الاستفتاء لتعكير العلاقات بين الطرفين، وحاولوا جاهدين تحويل ذلك الملف إلى ام يشبه الشماعة التي تحذر إيران من تطور أحوال إقليم كردستان، في وقت كانت ثمة علاقات سياسية واجتماعية واقتصادية تاريخية بين إقليم كردستان وإيران منذ عقود، وإيران عليها أن تعرف إن إقليم كردستان لا يقوم إلا على أدوار تساهم في خلق الاستقرار والتنمية.
للإقليم علاقات استراتيجية مع تركيا، بالذات في المجال الاقتصادي، لكن الصراع بين تركيا ومقاتلي حزب العمال الكوردستاني مستمر، بالذات على أراضي إقليم كوردستان، هل ثمة مبادرات من حكومة الإقليم لإيجاد حلول سلمية بين الطرفين، مثلما كانت قبل العام 2015؟
قدم السيد مسعود بارزاني أكثر من مبادرة، لكني كمراقب وليس كرئيس لدائرة الإعلام والمعلومات في حكومة إقليم كوردستان، أرى مشكلة كبرى في تعدد مصادر القرار ضمن حزب العمال الكوردستاني، تضاف إلى مشكلة أخرى متعلقة بالرؤية الاستراتيجية لهذا الحزب، فيما خص آليات حل هذه القضية ضمن تركيا نفسها. كانت هناك مبادرات والإقليم يدعو الى حل سلمي للقضية الكوردية في كل دول المنطقة التي تضم الشعب الكوردي، وكل دولة بحسب مناخات وآليات العمل والنضال السياسي ضمنها، ودوماً بطرق سلمية.
خلال السنوات الماضية كانت ثمة دائرة كاملة من التحديات الأمنية المحيطة بإقليم كوردستان، سواء تنظيم "داعش" في الجنوب أم الصراع بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني في الشمال أو التهديدات الإيرانية في الشرق. كيف استمرت حكومة كوردستان في عملية التنمية؟
كل ذلك مؤثر للغاية، مثلاً وجود عناصر حزب العمال الكوردستاني في المناطق الشمالية لمحافظة دهوك وبعض المناطق من محافظة أربيل، منح الجيش التركي الحجة للاندفاع نحو مناطق إقليم كوردستان، ما شكّل عائقاً أمام الحكومة في مجال تقديم الخدمات الأساسية أو تنمية المناطق، ورفع مستويات التنمية لطيف ريفي واسع، يزيد عن 700 قرية، صارت أغلبها خالية من السكان بسبب الحرب.
تحاول حكومة الإقليم حل كل هذه الإشكاليات عبر الحوار والتوافق السياسي، من دون الوصول إلى أي صِدام ميداني. فقد وقعت حكومة الإقليم مثلاً "اتفاقية سنجار" مع الحكومة الاتحادية عام 2020، لكن بعد مرور أربع سنوات لم يتم تطبيقها، وأدى ذلك إلى امتناع النازحين عن العودة إلى مناطقهم. لأجل ذلك، فإن الملفات الأمنية العالقة تعيق مسألة التنمية والمبادرة الاقتصادية في الإقليم الى حد لبعد، لأنها تكبح أكثر القطاعات الاقتصادية حيوية في الإقليم، ألا وهو القطاع السياحي.
عايشت حكومة إقليم كوردستان الحالية ثلاث حكومات اتحادية عراقية، ثمة رأي يقول إن العلاقات بين حكومة كوردستان والحكومة الاتحادية كانت على الدوام أفضل بكثير من المعوقات القانونية والسياسية والتشريعية التي تخلقها القوى السياسية العراقية عبر البرلمان والمحكمة الاتحادية. ما سبب ذلك إذ صُح ذلك الرأي؟
عموماً هذا صحيح، وهو يخضع لمبدأ التجاذب والتنافر بين القوى السياسية، لكن حكومة إقليم كردستان كانت دائماً تستند الى الدستور العراقي. قانون النفط والغاز أكير مثال على ذلك، إذ طالبنا مراراً بتشريع قانون النفط والغاز، وأن يُقدم للبرلمان بحسب الدستور لحل المشكلات بين الدولة الاتحادية وإقليم كردستان. لكن بعض القوى السياسية تتلكأ في إنجاز ذلك. كذلك صدرت قوانين من دون أن تتمتع بالتوافق السياسي، بل بحسب قاعدة الأكثرية/الغلبة العددية. ثمة أمثلة لا يُمكن حصرها، مثل إعاقة القوى السياسية تنفيذ متطلبات المادة 140 من الدستور العراقي، والكثير من النواب أقروا بدورهم المعيق، مع معرفتهم التامة بأن المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها هي جوهر القضية الكردية في العراق، فهي ليست قضية مالية أو إدارية، بل قضية أرض وشعب.
القوى السياسية العراقية لها أجندتها الخاصة، بعضها ربما لا تكون في مصلحة العراق، وبعضها الآخر مرتبط بأجندات دول أخرى. لكن ما كان يحدث هو أن ما يتم الاتفاق عليه بين القوى السياسية في الإقليم وممثلي الحكومة الاتحادية لا نجد التزاماً به من غالبية القوى المنضوية في الحكومة فيما بعد.
لكن ما تفسير ذلك، هل بسبب العلاقات التي تجمع هذه القوى السياسية العراقية بالقوى الإقليمية التي لا تريد للتجربة الكوردية أن تتطور في العراق، أم بسبب قيامها على عقائد إيديولوجية مركزية، لا تريد لإقليم كوردستان أن يحرز المزيد من السلطات؟
للسببين معاً، وربما يصح لو أضفنا تأثير القوى الدولية. لكن حالة إقليم كوردستان هي أحقية تاريخية ودستورية للشعب الكوردي في العراق. فمنذ أيام زعامة الراحل الملا مصطفى بارزاني للحركة التحررية القومية الكوردية في العراق، كانت مسألة محافظة كركوك وحجم المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي مصدر النزاع، وليس مفهوم الحُكم الذاتي نفسه، وهو أمر مستمر فعلياً، وتالياً فأن رافضي القبول بالأحقية التاريخية للكورد في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية مطلقة هو استمرار للعقلية نفسها. لكن رغم كل الحوارات السياسية المطولة لأكثر من عقدين، تظهر النواة الصلبة أن ثمة إرادة رافضة لفعل شيء ذي مضمون.
هل لديكم شريك عراقي في ما تسعون لتحقيقه، أي تحقيق الوئام وإنجاز الملفات العالقة بين المركز والإقليم؟
أولاً المشروع الكردستاني لا يعتمد على أي شخصية أو تيار سياسي عراقي بذاته. لكن كل التيارات السياسية العراقية التي عاش قادتها وتنظيماتها في كردستان طوال سنوات وعقود، واشتركوا مع نظرائهم الكورد في نفس الخنادق، كانوا خلال تلك المراحل يعترفون بشرعية الحقوق الكوردية وعدالتها، لكن بعد العام 2003 ووصولهم إلى سدة الحُكم، انقلبوا على ذواتهم ومواقفهم. هل كان ذلك بسبب الاستخدام البراغماتي لمواقفهم السياسية وقتئذ ورفعها كشعارات سياسية فحسب؟ ليس لدي الحق في الحكم عليهم، لكن واقعياً لا تزال القوى السياسية العراقية الرئيسية غير ملتزمة بفك الملفات الرئيسية بين الإقليم والسلطة الاتحادية، ملف النفط والمادة 140 من الدستور والشراكة التوافقية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
قياساً بعمر حكومة إقليم كوردستان التي طالت ست سنوات، ماذا أنجزت الحكومة التاسعة لإقليم كوردستان؟
عانت الحكومة من تحديات كبيرة، مثل جائحة كورونا وإيقاف تصدير النفط وقطع الموازنة من قِبل الحكومة الاتحادية، لكنها استطاعت أن تُبادر وتُنجز الكثير من المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية في الإقليم، بدءا بالطرق والجسور والسدود والبحيرات الصناعية، أضف إلى ذلك الاهتمام بالقطاعات الزراعية والصناعية والسياحية. يُمكن أن أشير إلى أن نسبة مساهمة القطاع الزراعي زادت من 1.8 في المئة إلى 8 في المئة. وزادت الاستثمارات إلى 16.6 مليار دولار، وأكثر القطاعات التي تم الاستثمار فيها هو القطاع السياحي، وللمرة الأولى بادرنا الى بناء قطاع مصرفي ينسجم مع النظام المالي العالمي، تكلل ببناء مشروع "حسابي"، الخاص بفتح حسابات الكترونية لكل موظفي الدولة كخطوة أولى، يستطيعون عبره تسيير كل معاملاتهم المالية، ولجميع المواطنين في مرحلة لاحقة. وهو جزء من أتمتة كل الخدمات العامة في الإقليم، بشكل يخدم إعادة هيكلة التعاملات الإدارية والمالية بين الحكومة والمواطنين.
كيف تحولتم من الاقتصاد الريعي إلى نظيره الإنتاجي، إسوة بالكثير من دول الخليجية؟
ثمة إشكالية أولية ودائمة بالنسبة الى إقليم كوردستان، تتعلق باختلاف قوانينه الاقتصادية والإدارية وخططه التنموية عما لدى الحكومة الاتحادية، وهذه الأخيرة تعتمد في قوانينها بشكل شبه تام على ما كان موجوداً من تركة النظام السابق، المعتمد على التوجيه والمركزية الاقتصادية وتضخم جهاز الدولة وفرض بعض الأحزاب الحاكمة رؤية الاقتصادية بما يخدم أجندتها وليس المصلحة العامة، وهذه مشكلة لكل العراقيين، وليس فقط لإقليم كوردستان.
في كردستان فعلنا ما بوسعنا لتجاوز تلك العقبة، بالذات من حيث تحويل المبادرات إلى جوهر الفعل الاقتصادي، فالمجتمع في المحصلة هو رائد العملية الاقتصادية، وليس جهاز الدولة أو الحكومة أو حتى تصدير المواد الخام. مثلاً تأسست في الإقليم مصانع تخصصية، بما في ذلك مصانع للهواتف الذكية، إلى جانب مصانع للحديد الصلب والصناعات الغذائية ومختلف الحاجات، ففي كردستان اليوم ثمة 994 مصنعا، وإلى جانبها ثمة 7801 شركة خاصة، وهذا مؤشر الى ما وعد به رئيس الوزراء السيد مسرور بارزاني أثناء إقرار الاستراتيجية الحكومية، واعداً بتنويع مصادر الدخل العام. فتصدير النفط متوقف منذ أعوام، لكننا استطعنا بدل ذلك تكثيف العمل في القطاعات الصناعية والسياحية والزراعية، إذ ثمة في إقليم كردستان أكثر من 31 ألف بيت بلاستيكي/زجاجي زراعي.
كوردستان منطقة جغرافية شديدة التنوع مناخياً، ماذا فعلت حكومة إقليم كوردستان في مجال الاستثمار في الطاقة البديلة؟
بدأت مشاريعنا في ذلك الاتجاه من خلال تأسيس محطات خاصة تستفيد من الغازات المنبعثة من الآبار النفطية، أو ما يسمى "كوباند ريسايكل"، فصارت الكثير من المواقع النفطية تنتج الطاقة الكهربائية. كذلك بدأت الحكومة مرحلة أولية لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، وهي بدأت بإنتاج 20 ميغاوات. الأهم أننا شجعنا القطاع الخاص على المبادرة، وقد شجعت الحكومة المواطنين والقطاع الخاص في هذا المجال، فمن يساهم في تغذية الشبكة الكهربائية العامة، من فائض ما ينتجه ويلبي حاجة منشآته الصناعية تدفع له الحكومة بدلاً مالياً مباشرة.