سوريا البلد الذي شهد العشرات من الانقلابات العسكرية منذ الاستقلال وحتى سقوط الأسد

أربيل (كوردستان24)- أعاد سقوط نظام الأسد في سوريا الأحاديث حول التوترات السياسية المتلاحقة التي عاشتها سوريا منذ أواسط القرن العشرين، حيث شهدت البلاد أعدادا كبيرة من الانقلابات، منها ما فشل ومنها ما أحدث تبعات مازالت آثارها متواصلة حتى يومنا هذا.
حسني الزعيم "فاتح" عصر الانقلابات
الانقلاب العسكري الأول نفذه الجنرال حسني الزعيم في 30 آذار/مارس 1949 على الرئيس شكري القوتلي. اعتقل الزعيم القوتلي وعددا من وزرائه، ثم حل البرلمان وشكل وزارة جديدة.
وينظر عدد من الباحثين إلى انقلاب الزعيم على أنه "فاتح عصر الانقلابات" في العالم العربي، وأنه أول انقلاب في المنطقة تحوم حوله شبهات تورط الولايات المتحدة فيه.
بعد انقلاب الزعيم، جاء انقلاب سامي الحناوي في 14 آب/أغسطس 1949، الذي اعتقل كلا من حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي وحكم عليهما بالإعدام.
عقب الانقلاب، عهد الحناوي تشكيل الحكومة الجديدة لهاشم الأتاسي، ثم رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت ريثما تجرى انتخابات رئاسية وتشريعية "حرة".
انقلاب "الحكم المزدوج" وصعود الشيشكلي لسدة الرئاسة
ولم يدم انقلاب سامي الحناوي طويلا، إذ قام أديب الشيشكلي يوم 19 كانون الأول/ديسمبر 1949 بانقلاب جديد. ظل هاشم أتاسي رئيسا خلال فترة عرفت بفترة الحكم المزدوج حتى 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1951، ليعود الشيشكلي وينقلب عليه، بعد أن اتهمه وحزبه "حزب الشعب" بالخيانة ومحاولة استعادة الحكم الملكي للبلاد.
يذكر أن انقلاب الحناوي، ومن ثم الانقلاب الأول للشيشكلي، كانا في إطار قيادة الجيش ولم يتعرضا لمنصب رئاسة الجمهورية بشكل مباشر. أما الانقلاب الثاني للشيشيكلي، على الأتاسي تحديدا، فجاء، وفقا لما قاله، لمنع مشروع الوحدة السورية – العراقية التي كان "حزب الشعب"، المحسوب على "المملكة الهاشمية العراقية"، يسعى لتحقيقها.
انقلاب يطيح بالشيشكلي ويعود بالأتاسي
في 25 شباط/فبراير 1954، وعقب احتجاجات انطلقت من حلب ضد حكم الشيشكلي، قام الجنرال فيصل الأتاسي بالانقلاب الخامس، حيث سيطر على عدد من مباني الدولة في حلب ومنها مبنى الإذاعة، الذي أذيع منه بيان باسم "إذاعة سوريا الحرة"، دعا الجيش "للالتحاق بالثورة".
نجح الأتاسي ومساء 26 شباط/فبراير 1954 قدم الشيشكلي استقالته حفاظا "على الدم السوري، ووحدة الجيش السوري، ولمنع دخول البلاد في حرب أهلية"، وغادر دمشق برا نحو بيروت.
ومع نجاح انقلاب فيصل الأتاسي، عاد هاشم الأتاسي إلى سوريا ليكمل ولايته الدستورية كرئيس للبلاد، في حين استقال فيصل وآثر العمل السياسي لاحقا.
تبادل سلمي للسلطة بين الأتاسي والقوتلي
استمر هاشم الأتاسي في رئاسة سوريا حتى انتهاء فترة ولايته يوم 6 أيلول/سيتمبر 1955، ليتسلم شكري القوتلي من جديد مقاليد الحكم عبر تنظيم انتخابات.
ترافق عهد الأتاسي الثاني مع صعود نجم الزعيم المصري جمال عبد الناصر. لم يكن الأتاسي ينظر لثورة الضباط الأحرار في مصر بعين الراحة، ولطالما رفض التجاوب مع عبد الناصر في موضوع إدانة العراق وتحديدا حكومة نوري السعيد ودورها في ما كان يسمى في حينه "حلف بغداد".
كما تميزت ولايته الثانية بأنها الأولى منذ سنوات التي تنتهي بسلام وبتنظيم انتخابات، جاءت بالمناسبة بحزب البعث للمرة الأولى إلى البرلمان.
لم تنته ولاية القوتلي الثانية بانقلاب، ففي 22 شباط/فبراير 1958 وقعت الوحدة بين مصر وسوريا، وتنازل شكري القوتلي عن الرئاسة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وقال في خطابه حينها "تنفيذا لإرادة شعب الجزأين العربيين الغاليين، أرى من واجبي ونحن قادمون على الاستفتاء الشعبي المقرر لانتخاب رئيس الجمهورية العربية المتحدة، يوم الجمعة 21 فبراير/شباط 1958، أن أكون المواطن الأول، في الدولة الجديدة، الذي يرشح سيادة الرئيس جمال عبد الناصر رئيسا لها".
انقلاب يطيح بـ"الجمهورية العربية المتحدة"
في 28 أيلول/سبتمبر 1961 انهارت "الجمهورية العربية المتحدة" بعد انقلاب الجيش، وأعلنت سوريا انفصالها عن مصر بموجب انقلاب عسكري اعتمدت بنتيجته اسم "الجمهورية العربية السورية".
وعقب الانقلاب، أعلن راديو دمشق أن القيادة الثورية العربية العليا للقوات المسلحة أوكلت إلى مأمون الكزبري مهمة تشكيل الحكومة، التي تكونت من سياسيين من الطبقة التقليدية (الحزب الوطني وحزب الشعب).
انقلاب البعث وحكومته الأولى
في 8 آذار/مارس 1963، وقع الانقلاب السابع على يد اللجنة العسكرية للقسم الإقليمي لحزب البعث العربي الاشتراكي ضد الرئيس ناظم قدسي والحكومة المنتخبة برئاسة خالد العظم، بحجة "الرجعية والانفصال عن مصر. وكان من نتائج هذا الانقلاب تحديدا إلغاء الحريات السياسية وتعدد الأحزاب وقيام دولة الحزب الواحد في سوريا، فضلا عن تطبيق قانون الطوارئ الذي انتهى العمل به في 2011، مع اندلاع الثورة السورية، وجاء هذا الانقلاب بأمين الحافظ رئيسا للبلاد.
انقلاب "بعثي" على البعث
بين 21 و23 شباط/فبراير 1966، أطاح انقلاب بعثي جديد بأمين الحافظ وحكومة البعث الأولى، كما تم عزل القيادة القومية للحزب بعد تمرد أعضاء اللجنة العسكرية للحزب والقيادة القطرية، تحت قيادة صلاح جديد.
اتسم الانقلاب الثاني للبعث بازدياد الهوة مع حزب البعث العراقي. وكانت من أهم أسبابه تصاعد الصراع على السلطة بين الحرس القديم للحزب ممثلا بمؤسسه ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ومنيف الرزاز، وقياداته الشابة في حينه التي كانت تريد اعتماد سياسات جديدة ومعارضة لموضوع الوحدة مع العراق.
انقلاب البعث الثاني جاء بصلاح جديد رئيسا للبلاد، الذي اتسمت حكومته بأنها كانت "الأكثر راديكالية" بتاريخ سوريا الحديث.
وسرعان ما بدأ الصدام في صفوف القيادة الجديدة، وبدأت تظهر حركات معارضة لحكم جديد حيث تشكلت جبهة مضادة له من الاتحاد الاشتراكي العربي وحركة القوميين العرب والمناصرين للبعث العراقي، فضلا عن أعضاء في حزب البعث السوري على رأسهم حافظ الأسد.
يذكر أنه خلال أحداث "أيلول الأسود" بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني مطلع سبعينات القرن الماضي، تدخل الجيش السوري لمناصرة الفلسطينيين، لكن طلائعه تعرضت لغارات من سلاح الجو الأردني. فأمر جديد حافظ الأسد، الذي كان وزيرا للدفاع، بإرسال مساندة جوية، لكن الأسد رفض وانتهت العملية بتراجع الجيش السوري.
انقلاب بعثي جديد ووصول حافظ الأسد
في 30 تشرين الأول/أكتوبر، دعا صلاح جديد إلى مؤتمر طارئ للقيادة القومية للبعث لمحاسبة الأسد، ولكن في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، قام الأسد بانقلاب مجددا، سمي لاحقا بـ"الحركة التصحيحية"، اعتقل بنتيجته صلاح جديد وكافة القيادات البعثية آنذاك.
سجن جديد في سجن المزة حوالي 23 سنة، ليتوفى في السجن في 19 آب/أغسطس 1993.
في 12 آذار/مارس 1971، عين الأسد رسميا رئيسا للجمهورية العربية السورية لولاية مدتها سبعة سنوات، بعد إجراء استفتاء شعبي، ليكون بذلك أول رئيس بعثي ينتمي للطائفة العلوية في التاريخ السوري. وبعدها أعيد انتخابه في استفتاءات متتابعة في 1978 و1985 و1992 و1999.
استمر الأسد برئاسة سوريا حتى توفي في 10 حزِيران/يونيو 2000، ليخلفه ابنه بشار لاحقا، والذي تمت الإطاحة به بعد هجوم المعارضة السورية واستيلائها على دمشق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
وتعود السوريون السخرية من هذا العدد الهائل من الانقلابات قائلين "إن الضابط الذي يستيقظ باكرا قبل زملائه يسارع إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون ويعلن انقلابه ويصبح رئيسا لسوريا"