عودة نوروز إلى عفرين: شعلة الأمل والصمود تضيء سماء المدينة

أربيل (كوردستان 24)- بعد ثماني سنوات من الاحتفالات الصامتة، استعاد الشعب الكوردي في عفرين تقاليده هذا العام، محتفلاً بعيد نوروز بعزيمة متجددة. ولأول مرة منذ وقوع المدينة تحت سيطرة الفصائل المسلحة (الحمزات والعمشات)، أضاءت شعلة نوروز سماء عفرين، لترمز إلى الصمود والأمل في وحدة كوردية طال انتظارها.
وفي مقابلات حصرية مع كوردستان24، شارك أحمد حسن، رئيس مجلس محلية عفرين للمجلس الوطني الكوردي (ENKS)، وناشطة في مجال حقوق المرأة من عفرين، تجاربهما حول التحديات التي واجهها سكان عفرين، وصلابة الصمود الكوردي، والأمل الذي أعادته التطورات السياسية الأخيرة.
مواجهة التغيير الديموغرافي
بعد 18 آذار 2018، دخلت الفصائل المسلحة إلى عفرين، وبدأت حملة منظمة لتغيير النسيج الديموغرافي للمنطقة. أجبر آلاف العائلات الكوردية على الفرار إلى مناطق الشهباء وحلب، بينما تم توطين نازحين من الغوطة وحمص وحماة في منازلهم.
يقول أحمد حسن: "تم الاستيلاء على منازل الكورد، ومصادرة أراضيهم. جلبت العائلات العربية، وأقيمت المستوطنات لتعزيز هذا التغيير الديموغرافي".
فيما أشارت الناشطة الحقوقية إلى أن التغيير لم يكن مادياً فحسب، بل كان استهدافاً مباشراً للثقافة الكوردية: "قُطعت الغابات، وسُرقت المواقع الأثرية، وحاولوا محو هويتنا التاريخية. الاعتداءات لم تكن جسدية فقط، بل كانت تهدف إلى اقتلاع ثقافتنا وتاريخنا من جذورهما".
رغم هذه الانتهاكات، أكد كلاهما أن عفرين لم تفقد هويتها. تقول الناشطة: "بإرادة قوية وعزيمة لا تلين، يعود الكورد إلى منازلهم تدريجياً. نحن نتجاوز مرحلة التغيير الديموغرافي مع عودة الأهالي ومغادرة المستوطنين العرب".
عودة نوروز إلى عفرين
بعد سنوات من القمع والخوف، عاد نوروز هذا العام إلى عفرين بقوة. في الأعوام السابقة، كان مجرد إشعال النار للاحتفال بالمناسبة سبباً للاعتقال أو القتل، كما حدث في مجزرة جنديرس، حيث فقدت عائلة كوردية بأكملها حياتها لمجرد احتفالها بنوروز.
تقول الناشطة: "هذا العام أشعلنا النيران بحرية. رفعنا الأعلام الكوردية، ورقصنا بفخر في شوارعنا. رغم بعض المضايقات، وقفنا بثبات".
من جانبه، أكد أحمد حسن أن نوروز هذا العام كان تتويجاً لصمود الشعب الكوردي: "أصدرنا دعوة للمشاركة الواسعة في الاحتفالات، واستجاب الآلاف بإشعال النيران في كل القرى والنواحي. لقد كان احتفالاً تاريخياً أعاد البهجة إلى قلوب العفرينيين".
أقيمت الاحتفالات الرئيسية في ميدانكي وبرج عبدالو، بحضور أمني لضمان سلامة المشاركين. وأوضح حسن: "هذا الاحتفال لم يكن مجرد طقس تقليدي، بل كان رسالة مقاومة وإثبات للهوية الكوردية".
روح الوحدة المستوحاة من الرئيس بارزاني
كان لنداء الرئيس مسعود بارزاني من أجل الوحدة الكوردية صدى واسع في عفرين، خاصةً بعد لقائه مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي.
يقول أحمد حسن: "مبادرة الرئيس بارزاني منحت الكورد في عفرين الأمل والقوة. قيادته الحكيمة وجهوده في توحيد الصف الكوردي أعطت نوروز هذا العام بُعداً مميزاً".
وتضيف الناشطة الحقوقية: "نحن نثق بالرئيس بارزاني لتحقيق الوحدة الكوردية. إذا تحققت هذه الوحدة، فمن الممكن عكس التغييرات الديموغرافية وإعادة عفرين لأهلها".
الأهمية الاستراتيجية لعفرين
يقول أحمد حسن إن "عفرين ليست فقط قلباً ثقافياً لكوردستان سوريا، بل هي أيضاً بوابة اقتصادية مهمة. لهذا السبب، كانت هدفاً دائماً للقوى الإقليمية. لكن شعبها لن يتخلى عنها".
التحديات المستمرة تحت حكم الفصائل المسلحة
رغم إنشاء إدارة أمنية جديدة، لا تزال الفصائل المسلحة تمارس انتهاكات واسعة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والابتزاز الاقتصادي.
تقول الناشطة: "لقد تصرفوا وكأنهم حرروا عفرين من شعبها. برروا أفعالهم بحجة محاربة حزب العمال الكوردستاني (PKK)، لكن الهدف الحقيقي كان القضاء على الهوية الكوردية".
وحذر أحمد حسن من أن غياب الوحدة الكوردية سيزيد من معاناة الشعب: "وحدتنا هي سلاحنا الأقوى. عندما نواجه هذه الانتهاكات بصوت موحد، سنتمكن من محاسبة الجناة واستعادة حقوقنا".
رسالة إلى القادة الكورد والمجتمع الدولي
توجه كل من أحمد حسن والناشطة بالحديث إلى القادة الكورد، داعيين الرئيس مسعود بارزاني والقائد مظلوم عبدي إلى مواصلة جهودهما من أجل تحقيق الوحدة.
وقال أحمد حسن: "على جميع الكورد في أجزاء كردستان الأربعة دعم الرئيس مسعود بارزاني، الأب الروحي للقومية الكوردية والقائد الكوردستاني المحوري. إن الاعتماد على قيادة الرئيس بارزاني هو واجب كوردي لتحقيق خلاصنا الجماعي، فهو رمز لهويتنا ووجودنا".
وأضافت الناشطة: "نحن نثق بقيادتكم ونقف إلى جانبكم. قيادتكم هي قوتنا، ونعتمد على إصراركم لتأمين حقوقنا".
نظرة إلى المستقبل
مع عودة النيران لتضيء سماء عفرين في ليلة نوروز، يتجدد الأمل في قلوب الكورد.
تقول الناشطة: "مع عودة شعبنا، ستنهض عفرين من جديد. سنعيد بناء منازلنا، ونستعيد هويتنا، وستبقى ثقافتنا مزدهرة".
وأكد أحمد حسن أن عفرين ستبقى شامخة رغم المحن: "لقد واجهنا الألم والخسارة، لكننا لن نستسلم. بوحدتنا وعزمنا، سنستعيد عفرين".
تختتم الناشطة حديثها قائلة: "في عفرين، شعلة نوروز لن تنطفئ أبداً، تماماً كما لا تنطفئ ذكرى (بافي كال) القائد الكوردي الراحل ملا مصطفى بارزاني".