رغم سقوط الأسد.. لا تزال تجارة الكبتاغون مزدهرة في سوريا

أربيل (كوردستان24)- رغم وعود الحكومة الانتقالية في سوريا باجتثاث صناعة الكبتاغون – التي كانت شريانًا ماليًا حيويًا لنظام الأسد السابق – لا تزال شبكات  وتهريبها راسخة بعمق.

حتى بعد سقوط بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، تواصل سوريا كونها مركزًا رئيسيًا لهذا المنشط الشبيه بالأمفيتامين، مع تكيّف طرق التهريب مع التحولات السياسية الجديدة.

تحت حكم الأسد، أصبحت سوريا أكبر منتج للكبتاغون في العالم، حيث استفادت الميليشيات الموالية للنظام وزعماء الحرب والمسؤولون الفاسدون من تجارة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

وكانت هذه المخدرات، الموجهة أساسًا إلى أسواق الخليج، مصدر دخل حيويًا في ظل العقوبات الدولية.

وعلى الرغم من تعهد الحكومة الانتقالية علنًا بالقضاء على المخدرات، تشير الأدلة إلى أن بقايا قوية من النظام القديم – إلى جانب الفصائل المسلحة والشبكات الإجرامية – لا تزال تتحكم في الإنتاج والتوزيع، مع استمرار التصدير عبر لبنان وتركيا والأردن.

وعود فاشلة بمكافحة تهريب المخدرات

بعد الإطاحة بالأسد، تعهدت الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، بالقضاء على إنتاج الكبتاغون وتهريبه.

وفي خطاب تلفزيوني، وصف الشرع سوريا بأنها أصبحت "أكبر منتج للكبتاغون في العالم"، ووعد بـ"تطهير" البلاد من هذه التجارة غير المشروعة.

في يناير/كانون الثاني 2025، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ونظيره السوري أسعد الشيباني تشكيل لجنة أمنية مشتركة لتأمين الحدود ومكافحة تهريب المخدرات والأسلحة. 

وبموجب الاتفاق، التزمت سوريا بوقف تجارة الكبتاغون، لكن عمليات ضبط الشحنات الكبيرة لا تزال مستمرة.

لماذا لا يزال إنتاج الكبتاغون مزدهرًا؟

وفقًا لتقرير لـDW، فإن جزءًا من المشكلة يكمن في الأزمة الأمنية المستمرة في سوريا. 

إذ تعاني الحكومة الجديدة من نقص التمويل والكوادر البشرية ومعدات المراقبة اللازمة لتفكيك شبكات الكبتاغون بالكامل. لكن مراقبون يشيرون إلى أسباب هيكلية أعمق.

بحسب باحثين في معهد نيو لاينز الأمريكي، الذي يتعقب تهريب الكبتاغون منذ 2016، بدأ نظام الأسد ممارسة الضغط على شبكات التهريب مبكرًا في 2024، وذلك بسبب ضغوط الدول العربية – وخاصة السعودية والأردن – التي دفعت الأسد للحد من تجارة المخدرات مقابل التطبيع الدبلوماسي.

وأشارت كارولين روز، مديرة المعهد، خلال ندوة استضافها مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إلى أن "تهريب الكبتاغون توسع خلال العام الماضي ليشمل العراق وتركيا وألمانيا وهولندا ومصر وحتى الكويت".

مضيفة أن "نظام الأسد ربما لم يدرك بالكامل أن بنية هذه التجارة غير المشروعة كانت مهيأة للاستمرار حتى بعد سقوطه".

شبكات تهريب لا مركزية

أكدت روز أن عمليات التهريب أصبحت أكثر مرونة وقدرة على التكيف قبل فترة طويلة من سقوط الأسد، مما جعل تجارة الكبتاغون "عابرة للحدود وسائلة، ما يصعّب تفكيكها".

خارج سوريا، لا تزال مجموعات وكيانات دعمت نظام الأسد سابقًا – والمشتبه في تورطها في تهريب المخدرات – نشطة. 

يُعتقد أن حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران في العراق لاعبون أساسيون في هذه التجارة. كما تشير تقارير إلى استمرار الإنتاج الصغير للكبتاغون في سهل البقاع اللبناني، المعقل التقليدي لحزب الله.

في العراق، قال الناشط المناهض للمخدرات محمد الياسري لقناة الحرة إن "جزءًا كبيرًا من المواد الخام المستخدمة في تصنيع المخدرات يُصدّر من إيران إلى العراق"، وزعم أن الميليشيات المدعومة إيرانيًا توفر الدعم اللوجستي لعمليات التهريب، بما في ذلك نقل حبوب الكبتاغون الجاهزة والمواد الأولية.

استمرار إنتاج الكبتاغون داخل سوريا

في تقرير حديث، قال مهند الحاج علي، نائب مدير الأبحاث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إن بعض شحنات الكبتاغون التي تم ضبطها مؤخرًا قد تكون بقايا من مخزونات عهد الأسد.

لكنه أكد أيضًا أن الإنتاج لا يزال نشطًا داخل سوريا.

وأضاف: "تاريخيًا، شملت طرق التهريب في شمال سوريا نحو تركيا تعاونًا بين النظام السوري وفصائل داخل الجيش الوطني السوري المدعوم تركيًا. 

لذا، رغم انتكاسات 2024، لا يزال إنتاج الكبتاغون مستمرًا في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، بما في ذلك شمال سوريا تحت سيطرة الجيش الوطني".

كما أشار إلى أن إنتاج الكبتاغون مستمر في جنوب سوريا، خاصة في السويداء، حيث لا يزال لاعبون محليون متورطون في هذه التجارة.

تحديات تواجه الحكومة الجديدة

حذر خبراء من أن حكومة أحمد الشرع قد تواجه عقبات كبيرة في مكافحة تجارة الكبتاغون، حيث أن القمع الشديد قد يدفع شخصيات نافذة مرتبطة بهذا المجال إلى التمرد. 

وقال أحد الخبراء: الشرع يحتاج إلى تحقيق الاستقرار في سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية والانقسام الطائفي.

ورغم أن كارولين روز تعتقد أن سوريا لن تعود إلى حالة "دولة المخدرات" التي كانت عليها في عهد الأسد، إلا أنها حذرت في مقابلة مع DW من أن "شبكات التهريب الممتدة في المناطق الحدودية قد تشكل تحديًا أمام قدرة الحكومة على فرض إجراءات أمنية صارمة".

بدوره، أشار مهند الحاج علي إلى أن بارونات المخدرات يلعبون بالفعل دورًا في زعزعة الاستقرار الإقليمي، خاصة في لبنان وسوريا، حيث تكافح الحكومات الجديدة لفرض سيطرتها. 

وأكد أن التعافي الاقتصادي سيكون عاملاً حاسمًا في تقليل اعتماد السكان على تهريب المخدرات للبقاء على قيد الحياة.

وقال: "الجيش اللبناني، على سبيل المثال، يعاني من تخفيضات كبيرة في الرواتب بسبب الأزمة الاقتصادية. إذا فشلت المراحل الانتقالية في سوريا ولبنان، فسيكون القضاء على تجارة الكبتاغون شبه مستحيل. أي تراجع حالي في الإنتاج لن يكون سوى اضطراب مؤقت في تاريخ هذه الآفة – التي قد تكون لها عواقب وخيمة على المدى البعيد".

 

تقرير| آهورا قاضي

 
Fly Erbil Advertisment