"السواد يتحول إلى رماد".. ذي قار تواجه كارثة الجفاف والتصحر
أربيل (كوردستان24)- في أرضٍ عُرفت تاريخيًا بـ"أرض السواد" لكثرة الزراعة ووفرة المياه فيها، تقف اليوم محافظة ذي قار جنوبي العراق على حافة كارثة بيئية وإنسانية غير مسبوقة، بعد أن غزت التصحر والجفاف مساحاتٍ شاسعة منها، تاركةً خلفها قرى مهجورة وأراضٍ قاحلة، وسكانًا يكافحون للبقاء وسط بيئة معادية.
امتدت الرمال على غير عادتها نحو مناطق كانت يومًا خضراء، حيث أصبحت الكثبان الرملية تزحف على الحقول والمزارع، وحلّ اليأس مكان الزراعة. يقول المواطن أبو رياض رزاق الخفاجي لكوردستان24، الجميع هاجروا، ولم يبقَ أحد. في قرية مجاورة، لم تبقَ سوى عائلتين من أصل 70 عائلة."
أما المواطن فاضل علي فقد دفع ثمناً باهظًا للجفاف، إذ يروي بحرقة، "معاناتنا مع الجفاف لا تنتهي. فقدت أحد أبنائي، عمره خمس سنوات، أثناء بحثنا عن الماء في المناطق البعيدة."
تشير الإحصائيات المحلية إلى أن أكثر من عشرة آلاف عائلة نزحت من ذي قار خلال السنوات الأخيرة بسبب الجفاف، ما جعل المحافظة تتصدر مشهد الهجرة الداخلية الناتجة عن تغير المناخ ونقص المياه.
يقول حيدر سعدي، مسؤول ملف الهجرة والجفاف في المحافظة قال لكوردستان24، "يشكّل ملف التصحر والجفاف مصدر قلق بالغ للحكومتين المحلية والمركزية. المؤشرات البيئية خطيرة جدًا، ولدينا اليوم أكثر من 10,000 نازح بسبب الجفاف، وهي نسبة غير مسبوقة مقارنة بباقي المحافظات."
يمتد الجفاف في العراق على مدى أربعة مواسم متتالية، وسط انخفاض حاد في منسوب نهري دجلة والفرات، وتراجع حصص العراق المائية القادمة من دول الجوار. ويأتي ذلك في ظل ضعف الاستثمار في البنى التحتية للري، وغياب الحلول الاستراتيجية لمعالجة الأزمة.
ووفقًا لخبراء في البيئة والزراعة، فإن صيف عام 2025 يُتوقع أن يكون الأقسى منذ عقود، مع مؤشرات مقلقة على توسع رقعة الأراضي المتصحرة، وانهيار مصادر المعيشة الزراعية بشكل أكبر.
محافظة ذي قار أصبحت عنوانًا صارخًا للأزمة. إذ لم تقدم الحكومات المتعاقبة حلولًا عملية أو مشاريع مستدامة للتعامل مع التصحر، في وقت يُطلق فيه المزارعون نداءاتهم بلا مجيب.
"نحن لا نواجه أزمة بيئية فقط، بل أزمة وجود"، هكذا يلخّصها أحد سكان القرى المنكوبة.
ما يجري في ذي قار ليس مجرد تغير مناخي، بل كارثة إنسانية مركبة، تمزج بين الفقر، والنزوح، والبيئة المتهالكة. ومع استمرار التصحر، وسقوط القرى الواحدة تلو الأخرى.
تقرير: حيدر حنون – مراسل كوردستان24 في ذي قار