قرية "هوزي" الكوردية.. صمود التقاليد في وجه الفقر وهجرة الشباب

أربيل (كوردستان24)- باشكالا، وان - في قلب المناظر الطبيعية الخلابة لشمال كوردستان، وعلى مقربة من الحدود التركية الإيرانية، تقع قرية "هوزي" التي تجسد أصالة التقاليد الكوردية وكرم الضيافة، لكنها في الوقت ذاته تكافح للبقاء في وجه تحديات اقتصادية قاسية أجبرت شبابها على الهجرة، وتركت كبار السن وحيدين مع ذكريات ماضٍ أكثر ازدهاراً.

ببيوتها الطينية العتيقة وأزقتها الترابية، تبدو قرية "هوزي" وكأنها توقفت في الزمن. هنا، لا تزال الحياة تعتمد بشكل أساسي على الرعي والزراعة البسيطة، وهي مصادر رزق لم تعد كافية لتأمين متطلبات الحياة العصرية. "حياتنا تعتمد على المواشي وصناعة الجبن"، يقول عبد الله، أحد كبار السن في القرية، ويضيف بحسرة: "لكن هذا لم يعد كافياً. كل شبابنا ذهبوا إلى إسطنبول بحثاً عن عمل".

هجرة الشباب تركت القرية شبه خالية إلا من كبار السن، الذين يواجهون ظروفاً معيشية صعبة. فالخدمات الأساسية شبه منعدمة، من مستشفيات وكهرباء منتظمة، مما يزيد من عزلتهم ومعاناتهم. يقول إبراهيم، وهو من أعيان القرية: "أملك 150 دونماً من الأرض، لكنني لم أحصد منها شيئاً منذ عشرين عاماً. اضطررت للعمل في إسطنبول لمدة 400 يوم لأتمكن من إعالة أسرتي".

ورغم شح الموارد، لم تفقد "هوزي" روحها الأصيلة. فالكرم وحسن الضيافة لا يزالان من أبرز سمات أهلها. يقول أحد السكان: "هذه المنطقة كلها مضيافة، وأبوابنا مفتوحة دائماً للجميع". وفي مجالسهم البسيطة، يتردد صدى أغاني "الدينكبيج" الحزينة، التي تروي قصص الماضي وتاريخ المنطقة التي كانت يوماً ما موطناً مشتركاً للأكراد والأرمن.

وهكذا، تروي قرية "هوزي" قصة صمود في وجه التحديات، حيث يمتزج صوت التراث الحزين بواقع اقتصادي مرير. إنها حكاية مجتمع يتمسك بجذوره وتقاليده، ويحافظ على كرمه الأصيل رغم قسوة الظروف، شاهداً على عزلة القرى الكردية النائية التي تكافح من أجل البقاء.

رغم أن القرية ليست من الوجهات السياحية المعروفة، إلا أنها تحمل في طياتها قصصاً وحكايات متوارثة عن تاريخ المنطقة. يتحدث أحد سكان القرية عن فترة تاريخية كان فيها الأرمن يعيشون جنباً إلى جنب مع الكورد، ويقول: "جدي أحمد آغا، كان لديه الكثير من الأصدقاء الأرمن في هذه القرية. هذه القرية كانت دائماً رمزاً للتعايش".

ويضيف آخر: "كل هذه البيوت كانت تابعة لعائلة واحدة، هي عائلة باغي، وكانوا يعرفون باسم (الفلاح). هذه العائلة هي جد والدي، وهذا المكان هو مهدهم".

ورغم أن المنطقة غنية بتاريخها وثقافتها، إلا أنها تواجه تحديات اقتصادية كبيرة. يقول أحد السكان بحسرة: "أنا أملك 150 دونماً من الأرض، ولكني لم أحصد منها شيئاً منذ عشرين عاماً. اضطررت للعمل في إسطنبول لمدة 400 يوم لأتمكن من إعالة أسرتي".

ويؤكد على أن هذه القرية، مثلها مثل العديد من القرى الكوردية، تتميز بكرم الضيافة المتأصل في ثقافتها، قائلاً: "لا يوجد فرق بيننا، كلنا نعتبر أي ضيف هو ضيفنا جميعاً. هذه المنطقة كلها مضيافة، والضيوف مرحب بهم دائماً".

 

لكن هذا الكرم يواجه تحديات اقتصادية حقيقية. ففي الماضي، كان أهالي القرية يستطيعون توفير ما يحتاجونه من زراعتهم ورعي مواشيهم. أما اليوم، فقد تغير الحال. "نحن نبيع الدجاجة الواحدة بدولارين. نشتري بها الأرز والزيت، لكن هذا لا يكفي. ليس لدينا أي شيء آخر. إذا مرضنا، لا يوجد مستشفى قريب، ولا لدينا أي شيء. حتى الكهرباء، لا تأتي إلا لمدة ساعتين، ثم تنقطع لثلاث ساعات أخرى. نواجه صعوبات كبيرة".

هذه الشهادات تعكس واقع قرية "هوزي"، حيث يصارع أهلها للحفاظ على تراثهم وتقاليدهم الأصيلة في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ويستمرون في فتح أبوابهم للضيوف رغم كل شيء، ليظل كرمهم علامة فارقة تميزهم.

كما یوجد فی قرية تكوين صخري غريب الشكل يثير فضول الزوار، إذ يشبه في ملامحه تنيناً حجرياً ضخماً. هذا التكوين، المعروف محلياً باسم "التنين" (Ejderha)، ارتبط منذ أجيال طويلة بأسطورة شعبية تناقلها الأهالي جيلاً بعد جيل.

أسطورة قديمة

تروي الحكايات الشعبية أن امرأة من القرية كانت على وشك الولادة عندما اعترض طريقها تنين يريد التهامها هي وجنينها. وفي تلك اللحظة – كما تقول الرواية – ظهر الإمام علي (عليه السلام) فصرخ في وجه التنين وضربه بسيفه "ذو الفقار"، ليتحول بعدها إلى حجر يظل قائماً حتى يومنا هذا شاهداً على القصة الأسطورية.

يقول أحد سكان القرية: "سمعنا من أجدادنا أن الإمام علي شق التنين نصفين، ومنذ ذلك الوقت أصبح حجراً. هذه القصة ما زالت تتردد حتى اليوم بين الكبار والصغار."

عين "سودا".. مياه يعتقد أنها شافية

لا يقتصر الأمر على التكوين الصخري، فبجوار "التنين" تقع عين ماء معدنية تُعرف باسم عين سودا، يقصدها السكان والزوار من مناطق بعيدة. ويُعتقد أن مياهها المالحة النظيفة تمتلك خصائص علاجية، خصوصاً في معالجة حصى الكلى. ويقول الأهالي إن زواراً من إسطنبول وحتى من خارج تركيا يأتون لجمع هذه المياه في عبوات لنقلها إلى بلدانهم.

رمز محلي وسياحة شعبية

رغم أن أحداً لم يشاهد "تنيناً" بالحجم الذي تصفه الأسطورة، فإن التكوين الصخري أصبح رمزاً بارزاً للمنطقة، ومقصداً للسياح والمهتمين بالقصص التراثية. ويؤكد سكان القرية أن هذه الحكاية الشعبية، مهما اختلفت تفاصيلها، باتت جزءاً من هوية المكان، تعكس مزيجاً من الخيال الشعبي والطبيعة الفريدة.

 
 
Fly Erbil Advertisment